فصل: بَابُ الْيَمِينِ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَاللُّبْسِ وَالْكَلَامِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (نسخة منقحة)



.بَابُ الْيَمِينِ فِي الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ وَالْإِتْيَانِ وَالسُّكْنَى وَغَيْرِ ذَلِكَ:

شَرَعَ فِي بَيَانِ الْأَفْعَالِ الَّتِي يُحْلَفُ عَلَيْهَا وَلَا سَبِيلَ إلَى حَصْرِهَا لِكَثْرَتِهَا لِتَعَلُّقِهَا بِاخْتِيَارِ الْفَاعِلِ فَيَدُورُ عَلَى الْقَدْرِ الَّذِي ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا فِي كُتُبِهِمْ، وَالْمَذْكُورُ نَوْعَانِ أَفْعَالٌ حِسِّيَّةٌ وَأُمُورٌ شَرْعِيَّةٌ، وَبَدَأَ بِالْأَهَمِّ، وَهُوَ الدُّخُولُ وَنَحْوُهُ؛ لِأَنَّ حَاجَةَ الْحُلُولِ فِي مَكَان أَلْزَمُ لِلْجِسْمِ مِنْ أَكْلِهِ وَشُرْبِهِ الْأَصْلُ أَنَّ الْأَيْمَانَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْعُرْفِ عِنْدَنَا لَا عَلَى الْحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّةِ كَمَا نُقِلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَعَلَى الِاسْتِعْمَالِ الْقُرْآنِيِّ كَمَا عَنْ مَالِكٍ وَلَا عَلَى النِّيَّةِ مُطْلَقًا كَمَا عَنْ أَحْمَدَ؛ لِأَنَّ الْمُتَكَلِّمَ إنَّمَا يَتَكَلَّمُ بِالْكَلَامِ الْعَرَبِيِّ أَعْنِي الْأَلْفَاظَ الَّتِي يُرَادُ بِهَا مَعَانِيهَا الَّتِي وُضِعَتْ فِي الْعُرْفِ كَمَا أَنَّ الْعَرَبِيَّ حَالَ كَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ إنَّمَا يَتَكَلَّمُ بِالْحَقَائِقِ اللُّغَوِيَّةِ وَيَجِبُ صَرْفُ أَلْفَاظِ الْمُتَكَلِّمِ إلَى مَا عُهِدَ أَنَّهُ الْمُرَادُ بِهَا وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ.
(حَلَفَ) بِالْقَسَمِ أَوْ الشَّرْطِيَّةِ (لَا يَدْخُلُ بَيْتًا فَدَخَلَ الْكَعْبَةَ أَوْ الْمَسْجِدَ أَوْ الْبِيعَةَ أَوْ الْكَنِيسَةَ لَا يَحْنَثُ)؛ لِأَنَّ الْبَيْتَ أُعِدَّ لِلْبَيْتُوتَةِ وَهَذِهِ الْبِقَاعُ مَا بُنِيَتْ لَهَا وَتَسْمِيَةُ الْبَيْتِ لِلْكَعْبَةِ، وَالْمَسْجِدِ مَجَازٌ وَمُطْلَقُ الِاسْمِ يَنْصَرِفُ إلَى الْحَقِيقَةِ.
(وَكَذَا) أَيْ لَا يَحْنَثُ (لَوْ دَخَلَ دِهْلِيزًا) مُعَرَّبٌ بِكَسْرِ الدَّالِ، وَهُوَ مَا بَيْنَ الْبَابِ وَدَاخِلِ الدَّارِ (أَوْ ظُلَّةَ بَابِ دَارٍ إنْ كَانَ لَوْ أُغْلِقَ) الْبَابُ (يَبْقَى خَارِجًا وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَبْقَ خَارِجًا لَوْ أُغْلِقَ الْبَابُ (حَنِثَ) الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا قَيْدٌ لِلدِّهْلِيزِ، وَالظُّلَّةِ جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَغَيْرُهُ الظُّلَّةُ بِالضَّمِّ السَّابَاطُ الَّذِي يَكُونُ عَلَى بَابِ الدَّارِ مِنْ سَقْفٍ لَهُ جُذُوعٌ أَطْرَافُهَا عَلَى جِدَارِ الْبَابِ وَأَطْرَافُهَا الْأُخَرُ عَلَى جِدَارِ الْجَارِ الْمُقَابِلِ لَهُ وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِهِ؛ لِأَنَّ الظُّلَّةَ إذَا كَانَ مَعْنَاهَا مَا هُوَ دَاخِلُ الْبَيْتِ مُسْقَفًا فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِدُخُولِهِ؛ لِأَنَّهُ يُبَاتُ فِيهِ، وَالْمُرَادُ مِنْ الدِّهْلِيزِ مَا لَمْ يَصْلُحْ لِلْبَيْتُوتَةِ أَمَّا إذَا كَانَ كَبِيرًا بِحَيْثُ يُبَاتُ فِيهِ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِدُخُولِهِ فَإِنَّ مِثْلَهُ يُعْتَادُ بَيْتُوتَةً لِلضُّيُوفِ فِي بَعْضِ الْقُرَى وَفِي بَعْضِ الْمُدُنِ يَبِيتُ فِيهِ بَعْضُ الْأَتْبَاعِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ انْتَهَى.
وَمَنْ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى هَذَا زَعَمَ أَنَّهُ قَيْدٌ لِلدِّهْلِيزِ فَقَطْ فَقَالَ مَا قَالَ، تَدَبَّرْ (كَمَا لَوْ دَخَلَ صُفَّةً) أَيْ يَحْنَثُ فِي حَلِفِهِ لَا يَدْخُلُ بَيْتًا فَدَخَلَ صُفَّةً عَلَى الْمَذْهَبِ الْمُخْتَارِ سَوَاءٌ كَانَ لَهَا أَرْبَعَةُ حَوَائِطَ كَمَا فِي صُفَّاتِ الْكُوفَةِ أَوْ ثَلَاثَةٌ كَمَا صَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ، بَعْدَ أَنْ يَكُونَ مُسْقَفًا كَمَا فِي صُفَّاتِ دِيَارِنَا؛ لِأَنَّهُ يُبَاتُ فِيهِ، غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ مَفْتَحَهُ وَاسِعٌ وَسَيَأْتِي أَنَّ السَّقْفَ لَيْسَ شَرْطًا فِي مُسَمًّى الْبَيْتِ فَيَحْنَثُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الدِّهْلِيزُ مُسْقَفًا كَمَا فِي الْفَتْحِ (وَقِيلَ لَا يَحْنَثُ فِي الصُّفَّةِ أَيْضًا) أَيْ كَمَا لَوْ دَخَلَ دِهْلِيزًا أَوْ ظُلَّةَ بَابِ دَارٍ بِحَيْثُ لَوْ أُغْلِقَ الْبَابُ يَبْقَى خَارِجًا، فَإِنَّ الصُّفَّةَ عِنْدَهُمْ اسْمٌ لِبَيْتٍ صَيْفِيٍّ كَمَا فِي صُفَّاتِ الْكُوفَةِ وَأَمَّا فِي عُرْفِنَا فَهِيَ غَيْرُ الْبَيْتِ ذَاتُ ثَلَاثَةِ حَوَائِطَ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ كَمَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمُعْتَبَرَاتِ (وَفِي حَلِفِهِ لَا يَدْخُلُ دَارًا) وَلَمْ يُسَمِّ دَارًا بِعَيْنِهَا وَلَمْ يَنْوِهَا (فَدَخَلَ دَارًا خَرِبَةً لَا يَحْنَثُ)؛ لِأَنَّ الدَّارَ اسْمٌ جَامِعٌ لِلْبِنَاءِ، وَالْعَرْصَةُ كَمَا فِي الْمُغْرِبِ وَغَيْرِهِ إلَّا أَنَّهُمْ قَالُوا أَنَّهَا اسْمٌ لِلْعَرْصَةِ عِنْدَ الْعَرَبِ، وَالْعَجَمِ، يُقَالُ دَارٌ عَامِرَةٌ وَدَارٌ غَامِرَةٌ، وَقَدْ شَهِدَتْ أَشْعَارُ الْعَرَبِ بِذَلِكَ، وَالْبِنَاءُ وَصْفٌ فِيهَا غَيْرَ أَنَّ الْوَصْفَ فِي الْحَاضِرِ لَغْوٌ وَفِي الْغَائِبِ مُعْتَبَرٌ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَضَعَّفَهُ الْكَافِي وَاسْتَدَلَّ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْبِنَاءَ وَصْفٌ مَرْغُوبٌ؛ لِأَنَّ الْعَرْصَةَ تَنْقُصُ بِنُقْصَانِهِ، وَالْمُطْلَقُ يَنْصَرِفُ إلَى الْكَامِلِ فَإِذَا انْعَقَدَ النَّهْيُ عَلَى الْكَامِلِ لَا يَحْنَثُ بِالنَّاقِصِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ.
(وَلَوْ قَالَ) وَاَللَّهِ لَا يَدْخُلُ (هَذِهِ الدَّارَ فَدَخَلَهَا) حَالَ كَوْنِهَا (خَرِبَةً) لِمُجَرَّدِ، الْإِيضَاحِ فَالْعِبَارَةُ وَلَوْ (صَحْرَاءَ) وَأَرَادَ بِالْخَرِبَةِ الدَّارَ الَّتِي لَمْ يَبْقَ فِيهَا بِنَاءٌ أَصْلًا أَمَّا إذَا زَالَ بَعْضُ حِيطَانِهَا وَبَقِيَ الْبَعْضُ فَهَذِهِ دَارٌ خَرِبَةٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ فِي الْمُنَكَّرِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ نِيَّةٌ كَمَا فِي الْفَتْحِ (أَوْ) دَخَلَهَا (بَعْدَمَا بُنِيَتْ) هَذِهِ الدَّارُ الْخَرِبَةُ، وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى الْحَالِ، وَالشَّرْطِيَّةِ بِتَقْدِيرِ الْفِعْلِ مُعْتَبَرَةٌ (دَارًا أُخْرَى حَنِثَ) لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْبِنَاءَ وَصْفٌ، وَالْوَصْفُ فِي الْحَاضِرِ الْمُعَيَّنِ لَغْوٌ إذْ الْإِشَارَةُ أَبْلَغُ فِي التَّعْيِينِ.
وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لَا يَحْنَثُ فِي الْوَجْهَيْنِ.
وَقَالَ أَبُو اللَّيْثِ إنْ حَلَفَ بِالْفَارِسِيَّةِ لَا يَحْنَثُ فِي الْمُنَكَّرِ، وَالْمُعَرَّفِ إلَّا بِدُخُولِ الْمَبْنِيَّةِ كَمَا فِي الْكَافِي.
وَفِي الدُّرَرِ اعْتِرَاضَاتٌ عَلَى صَدْرِ الشَّرِيعَةِ لَكِنْ لَا جَدْوَى فِيهَا لِكَوْنِهَا مُدَافَعَةً وَدَعْوَى فَلْيُطَالَعْ.
(وَكَذَا) يَحْنَثُ (لَوْ وَقَفَ عَلَى سَطْحِهَا) أَيْ سَطْحِ الدَّارِ؛ لِأَنَّ السَّطْحَ مِنْ الدَّارِ مِنْ غَيْرِ دُخُولٍ مِنْ الْبَابِ بِأَنْ يُوصَلَ مِنْ سَطْحٍ آخَرَ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُعْتَكِفَ لَا يَفْسُدُ اعْتِكَافُهُ بِالْخُرُوجِ إلَى سَطْحِ الْمَسْجِدِ، وَهُوَ قَوْلُ الْمُتَقَدِّمِينَ (وَقِيلَ لَا يَحْنَثُ فِي عُرْفِنَا) أَيْ فِي عُرْفِ الْعَجَمِ، وَهُوَ قَوْلُ الْمُتَأَخِّرِينَ.
وَفِي الْخَانِيَّةِ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ فَدَخَلَهَا رَاكِبًا أَوْ مَاشِيًا أَوْ مَحْمُولًا بِامْرِئٍ حَنِثَ، وَكَذَا لَوْ نَزَلَ مِنْ سَطْحِهَا أَوْ صَعِدَ شَجَرَةً وَأَغْصَانُهَا فِي الدَّارِ فَقَامَ عَلَى غُصْنٍ لَوْ سَقَطَ يَسْقُطُ فِي الدَّارِ حَنِثَ، وَكَذَا لَوْ قَامَ عَلَى حَائِطٍ مِنْهَا.
وَقَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ إنْ كَانَ الْحَائِطُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ جَارِهِ لَا يَكُونُ حَانِثًا، وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْيَمِينُ بِالْعَرَبِيَّةِ، وَإِنْ كَانَتْ بِالْفَارِسِيَّةِ فَارْتَقَى شَجَرَةً أَغْصَانُهَا فِي الدَّارِ أَوْ قَامَ عَلَى حَائِطٍ مِنْهَا أَوْ صَعِدَ السَّطْحَ لَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ؛ لِأَنَّ هَذَا لَا يُعَدُّ دُخُولًا فِي الْعَجَمِ انْتَهَى.
وَفِي الْكَافِي، وَالْمُخْتَارُ أَنْ لَا يَحْنَثَ إنْ كَانَ الْحَالِفُ مِنْ بِلَادِ الْعَجَمِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى فَعَلَى هَذَا يَلْزَمُ عَلَى الْمُصَنِّفِ تَفْصِيلٌ تَدَبَّرْ.
(وَلَوْ دَخَلَ طَاقَ بَابِهَا) أَيْ بَابِ الدَّارِ (أَوْ دِهْلِيزَهَا) أَيْ لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ فَدَخَلَ طَاقَ بَابِهَا أَوْ دِهْلِيزَهَا (إنْ كَانَ لَوْ أُغْلِقَ) الْبَابُ (يَبْقَى خَارِجًا) مِنْ الدَّارِ (لَا يَحْنَثُ) وَفِيهِ كَلَامٌ؛ لِأَنَّ الدِّهْلِيزَ مَا بَيْنَ الدَّارِ، وَالْبَابِ كَمَا بُيِّنَ آنِفًا فَعَلَى هَذَا لَا يُمْكِنُ هَذَا التَّفْصِيلُ تَأَمَّلْ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَبْقَ خَارِجًا (حَنِثَ) هَذَا إذَا كَانَ الْحَالِفُ وَاقِفًا بِقَدَمَيْهِ فِي طَاقِ الْبَابِ، فَلَوْ وَقَفَ بِإِحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الْعَتَبَةِ وَأَدْخَلَ الْأُخْرَى فَإِنْ اسْتَوَى الْجَانِبَانِ حَنِثَ، وَإِنْ كَانَ الْخَارِجُ أَسْفَلَ لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ كَانَ الْجَانِبُ الدَّاخِلُ أَسْفَلَ حَنِثَ وَقِيلَ لَا يَحْنَثُ مُطْلَقًا، وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ.
وَفِي الْمِنَحِ وَلَوْ كَانَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ الْخُرُوجَ انْعَكَسَ الْحُكْمُ.
(وَلَوْ جُعِلَتْ) الدَّارُ الْمَحْلُوفَةُ الْمُعَيَّنَةُ (مَسْجِدًا أَوْ حَمَّامًا أَوْ بُسْتَانًا أَوْ بَيْتًا) أَوْ نَهْرًا أَوْ دَارًا (بَعْدَمَا خَرِبَتْ) الدَّارُ (فَدَخَلَهَا) أَيْ الْحَالِفُ (لَا يَحْنَثُ) لِتَبَدُّلِ اسْمِ الدَّارِ بِغَيْرِهِ هَذَا إذَا كَانَتْ الْإِشَارَةُ مَعَ التَّسْمِيَةِ أَمَّا لَوْ أَشَارَ وَلَمْ يُسَمِّ كَمَا إذَا حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِدُخُولِهَا عَلَى أَيِّ صِفَةٍ كَانَتْ دَارًا أَوْ مَسْجِدًا أَوْ حَمَّامًا أَوْ بُسْتَانًا؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ عُقِدَتْ عَلَى الْعَيْنِ دُونَ الِاسْمِ، وَالْعَيْنُ بَاقِيَةٌ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ.
(وَكَذَا) لَا يَحْنَثُ (لَوْ دَخَلَ بَعْدَ انْهِدَامِ الْحَمَّامِ وَأَشْبَاهِهِ) يَعْنِي لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ.
هَذِهِ الدَّارَ فَجُعِلَتْ حَمَّامًا أَوْ مَسْجِدًا أَوْ بُسْتَانًا، ثُمَّ انْهَدَمَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ فَدَخَلَ الْعَرْصَةَ لَا يَحْنَثُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ اسْمَ الدَّارِ قَدْ زَالَ بِالْكُلِّيَّةِ بِاعْتِرَاضِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ عَلَيْهَا وَبِانْهِدَامِهَا لَا يَعُودُ اسْمُ الدَّارِ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذَا الْمَسْجِدَ فَهُدِمَ، ثُمَّ بُنِيَ مَسْجِدٌ آخَرُ أَوْ لَا يَدْخُلُ هَذَا الْفُسْطَاطَ فَنُقِضَ وَضُرِبَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فَدَخَلَهُ حَنِثَ لِعَدَمِ اعْتِرَاضِ اسْمٍ آخَرَ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ حَلَفَ لَا يَكْتُبُ بِهَذَا الْقَلَمِ فَكَسَرَهُ، ثُمَّ بَرَّاهُ فَكَتَبَ بِهِ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ، وَفِي إضَافَةِ الْهَدْمِ إلَى الْحَمَّامِ مَعَ كَوْنِ الْمَسْجِدِ يُذْكَرُ مُقَدَّمًا فِي الْأُولَى رِعَايَةُ أَمْرٍ حَسَنٍ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ.
(وَفِي لَا يَدْخُلُ هَذَا الْبَيْتَ فَدَخَلَهُ بَعْدَمَا انْهَدَمَ) الْبَيْتُ (وَصَارَ صَحْرَاءَ أَوْ بَعْدَمَا بَنَى بَيْتًا آخَرَ لَا يَحْنَثُ) لِزَوَالِ اسْمِ الْبَيْتِ بَعْدَ الِانْهِدَامِ فَإِنَّهُ لَا يُبَاتُ فِيهِ (بِخِلَافٍ مِمَّا لَوْ سَقَطَ السَّقْفُ وَبَقِيَ الْجُدْرَانُ) فَإِنَّهُ يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ السَّقْفَ صِفَةُ الْكَمَالِ فِيهِ إذْ الْبَيْتُوتَةُ تَحْصُلُ عِنْدَ عَدَمِهِ فَصَارَ السَّقْفُ فِي الْبَيْتِ كَأَصْلِ الْبِنَاءِ فِي الدَّارِ.
وَفِي الْوَجِيزِ لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ بَيْتًا فَدَخَلَ بَيْتًا لَا سَقْفَ لَهُ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ الْبِنَاءَ وَصْفٌ، وَالْوَصْفُ فِي الْغَائِبِ مُعْتَبَرٌ (وَفِي لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ، وَهُوَ) أَيْ، وَالْحَالُ أَنَّ الْحَالِفَ (فِيهَا) أَيْ فِي الدَّارِ (لَا يَحْنَثُ) اسْتِحْسَانًا (مَا لَمْ يَخْرُجْ، ثُمَّ يَدْخُلْ)، وَالْقِيَاسُ أَنْ يَحْنَثَ تَنْزِيلًا لِلْبَقَاءِ مَنْزِلَةَ الِابْتِدَاءِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الدُّخُولَ هُوَ الِانْفِصَالُ مِنْ الْخَارِجِ إلَى الدَّاخِلِ، وَهَذَا الْفِعْلُ مِمَّا لَا يَمْتَدُّ فَلَا يُقَالُ دَخَلَ يَوْمًا، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مُمْتَدًّا لَا يَكُونُ بَقَاؤُهُ كَابْتِدَائِهِ، وَنَظِيرُهُ لَا يَخْرُجُ، وَهُوَ خَارِجٌ لَا يَحْنَثُ حَتَّى يَدْخُلَ وَيَخْرُجَ، وَكَذَا لَا يَتَزَوَّجُ، وَهُوَ مُتَزَوِّجٌ، وَلَا يَتَطَهَّرُ، وَهُوَ مُتَطَهِّرٌ فَاسْتَدَامَ الطَّهَارَةَ وَالنِّكَاحَ لَا يَحْنَثُ كَمَا فِي الْفَتْحِ.
(وَفِي لَا يَلْبَسُ هَذَا الثَّوْبَ، وَهُوَ) أَيْ، وَالْحَالُ أَنَّ الْحَالِفَ (لَابِسُهُ أَوْ لَا يَرْكَبُ هَذِهِ الدَّابَّةَ، وَهُوَ رَاكِبُهَا أَوْ لَا يَسْكُنُ هَذِهِ الدَّارَ، وَهُوَ سَاكِنُهَا)، ثُمَّ شَرَعَ فِي النَّشْرِ عَلَى التَّرْتِيبِ فَقَالَ (إنْ أَخَذَ) أَيْ شَرَعَ الْحَالِفُ (فِي النَّزْعِ) أَيْ نَزْعِ الثَّوْبِ (وَالنُّزُولِ) مِنْ الدَّابَّةِ (وَالنُّقْلَةِ) بِالضَّمِّ، وَالسُّكُونِ اسْمٌ لَا مَصْدَرٌ أَيْ انْتِقَالُهُ مِنْ بَابِ الدَّارِ (مِنْ غَيْرِ لُبْثٍ) مُتَعَلِّقٌ لِلْجَمِيعِ (لَا يَحْنَثُ) وَقَالَ زُفَرُ يَحْنَثُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ، وَإِنْ قَلَّ قُلْنَا الْيَمِينُ شُرِعَتْ لِلْبِرِّ فَزَمَانُ تَحْصِيلِ الْبِرِّ مُسْتَثْنًى (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْ فِي النَّزْعِ، وَالنُّزُولِ وَالنُّقْلَةِ وَلَبِثَ عَلَى حَالِهِ سَاعَةً (حَنِثَ)؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَفْعَالَ مِمَّا تَمْتَدُّ وَيُضْرَبُ لَهَا آجَالٌ وَيُقَالُ لَبِثْت يَوْمًا وَرَكِبْت يَوْمًا وَسَكَنْت شَهْرًا فَأَعْطَى لِبَقَائِهَا حُكْمَ ابْتِدَائِهَا، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ كُلَّمَا رَكِبْت فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَهُوَ رَاكِبٌ فَمَكَثَ ثَلَاثَ سَاعَاتٍ طَلُقَتْ ثَلَاثًا فِي كُلِّ سَاعَةٍ طَلْقَةً بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ رَاكِبًا فَرَكِبَ فَإِنَّهَا تَطْلُقُ وَاحِدَةً وَلَا تَطْلُقُ بِالِاسْتِمْرَارِ.
وَفِي الْبَحْرِ تَفْصِيلٌ فَلْيُرَاجَعْ (ثُمَّ فِي لَا يَسْكُنُ هَذَا الْبَيْتَ أَوْ هَذِهِ الدَّارَ لَا بُدَّ مِنْ خُرُوجِهِ بِجَمِيعِ أَهْلِهِ) بِالِاتِّفَاقِ إلَّا أَنْ يَمْنَعَ مَانِعٌ مِنْهُ كَمَا لَوْ أَبَتْ الْمَرْأَةُ أَنْ تَنْتَقِلَ وَغَلَبَتْهُ وَخَرَجَ هُوَ وَلَمْ يُرِدْ الْعَوْدَ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ (وَمَتَاعِهِ حَتَّى لَوْ بَقِيَ وَتِدٌ) مِنْ مَتَاعِهِ (يَحْنَثُ) عِنْدَ الْإِمَامِ كَمَا يَحْنَثُ لَوْ بَقِيَ شَيْءٌ لَا قِيمَةَ لَهُ، لَكِنْ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ أَنَّ مَشَايِخَنَا قَالُوا هَذَا إذَا كَانَ الْبَاقِي مِمَّا يُقْصَدُ بِهِ السُّكْنَى فَأَمَّا بِبَقَاءِ مِكْنَسَةٍ أَوْ وَتِدٍ أَوْ قِطْعَةِ حَصِيرٍ لَا يَبْقَى سَاكِنًا فَلَا يَحْنَثُ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُعْتَبَرُ نَقْلُ الْأَكْثَرِ) لِتَعَذُّرِ نَقْلِ الْكُلِّ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْمُحِيطِ، وَالْكَافِي وَغَيْرِهِمَا (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ نَقْلُ مَا يَقُومُ بِهِ كَدَخْدَائِيَّتِهِ) أَيْ يُعْتَبَرُ نَقْلُ مَا لَا بُدَّ فِي الْبَيْتِ مِنْ آلَاتِ الِاسْتِعْمَالِ (وَهُوَ) أَيْ قَوْلُ مُحَمَّدٍ (الْأَحْسَنُ وَالْأَرْفَقُ) بِالنَّاسِ وَرَجَّحَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ.
وَفِي الْفَتْحِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، لَكِنْ فِي الْبَحْرِ الْفَتْوَى بِمَذْهَبِ الْإِمَامِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ أَرْفَقَ هَذَا إذَا كَانَ مُسْتَقِلًّا بِسُكْنَاهُ؛ لِأَنَّ الْحَالِفَ لَوْ كَانَ سُكْنَاهُ تَبَعًا كَابْنٍ كَبِيرٍ سَاكِنٍ مَعَ أَبِيهِ وَامْرَأَةٍ مَعَ زَوْجِهَا فَحَلَفَ أَحَدُهُمَا لَا يَسْكُنُ هَذِهِ الدَّارَ فَخَرَجَ بِنَفْسِهِ وَتَرَكَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ وَهِيَ زَوْجَهَا وَمَالَهَا لَا يَحْنَثُ، ثُمَّ قَالُوا هَذَا إذَا كَانَتْ الْيَمِينُ بِالْعَرَبِيَّةِ فَلَوْ عَقَدَ بِالْفَارِسِيَّةِ فَخَرَجَ بِنَفْسِهِ بِعَزْمِ أَنْ لَا يَعُودَ لَا يَحْنَثُ، وَالْكُلُّ مُقَيَّدٌ بِالْإِمْكَانِ، حَتَّى لَوْ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَاشْتَغَلَ بِطَلَبِ دَارٍ أُخْرَى لِنَقْلِ الْأَهْلِ، وَالْمَتَاعِ، أَوْ خَرَجَ لِطَلَبِ دَابَّةٍ لِيَنْتَقِلَ عَنْهَا الْمَتَاعَ فَلَمْ يَجِدْ أَيَّامًا لَمْ يَحْنَثْ، أَوْ كَانَتْ الْيَمِينُ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ وَلَمْ يُمْكِنْهُ أَنْ يَخْرُجَ حَتَّى أَصْبَحَ، أَوْ كَانَتْ الْأَمْتِعَةُ كَثِيرَةً فَخَرَجَ، وَهُوَ يَنْتَقِلُ الْأَمْتِعَةَ بِنَفْسِهِ كَمَا يَنْتَقِلُ النَّاسُ فَإِنْ نَقَلَ لَا كَمَا يَنْتَقِلُ النَّاسُ يَكُونُ حَانِثًا، أَوْ وَجَدَ بَابَ الدَّارِ مُغْلَقًا وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْفَتْحِ وَلَا عَلَى الْخُرُوجِ مِنْهُ وَكَذَا لَوْ قَدَرَ عَلَى الْخُرُوجِ لِهَدْمِ بَعْضِ الْحَائِطِ وَلَمْ يَهْدِمْ لَا يَحْنَثُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ إنْ لَمْ أَخْرُجْ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ الْيَوْمَ فَقُيِّدَ وَمُنِعَ مِنْ الْخُرُوجِ أَيَّامًا يَحْنَثُ عَلَى الصَّحِيحِ (ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ نُقْلَتِهِ) أَيْ يَنْبَغِي أَنْ يَنْتَقِلَ (إلَى مَنْزِلٍ آخَرَ بِلَا تَأْخِيرٍ حَتَّى لَا يَبَرَّ بِنُقْلَتِهِ إلَى السِّكَّةِ أَوْ الْمَسْجِدِ) اسْتِدْلَالًا بِمَا ذُكِرَ فِي الزِّيَادَاتِ أَنَّ مَنْ خَرَجَ بِعِيَالِهِ مِنْ مِصْرِهِ فَلَمْ يَتَّخِذْ وَطَنًا آخَرَ يَبْقَى وَطَنُهُ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ فَكَذَا هَذَا، وَذَكَرَ أَبُو اللَّيْثِ لَوْ انْتَقَلَ إلَى السِّكَّةِ وَسَلَّمَ الدَّارَ إلَى صَاحِبِهَا أَوْ آجَرَهَا وَسَلَّمَهَا بَرَّ فِي يَمِينِهِ وَإِنْ لَمْ يَتَّخِذْ دَارًا أُخْرَى؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ سَاكِنًا انْتَهَى.
هَذَا أَرْفَقُ وَلَعَلَّ الْفَتْوَى عَلَيْهِ لَكِنْ فِي الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ يَحْنَثُ مَا لَمْ يَتَّخِذْ مَسْكَنًا آخَرَ.
(وَكَذَا) أَيْ لَا بُدَّ مِنْ خُرُوجِهِ بِجَمِيعِ أَهْلِهِ بِالِاتِّفَاقِ وَعِيَالِهِ بِالِاخْتِلَافِ كَمَا مَرَّ فِي حَلِفِهِ (لَا يَسْكُنُ هَذِهِ الْمَحَلَّةَ)؛ لِأَنَّ الْمَحَلَّةَ بِمَنْزِلَةِ الدَّارِ.
(وَفِي لَا يَسْكُنُ هَذِهِ الْبَلْدَةَ أَوْ الْقَرْيَةَ يَبَرُّ بِخُرُوجِهِ وَتَرْكِ أَهْلِهِ وَمَتَاعِهِ فِيهَا)؛ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ سَاكِنًا فِيهِ؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ يَكُونُ سَاكِنًا فِي مِصْرٍ وَلَهُ فِي مِصْرٍ آخَرَ أَهْلٌ وَمَتَاعٌ، وَالْقَرْيَةُ بِمَنْزِلَةِ الْمِصْرِ فِي الصَّحِيحِ مِنْ الْجَوَابِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ (وَفِي لَا يَخْرُجُ) مِنْ هَذِهِ الدَّارِ مَثَلًا (فَأَمَرَ) الْحَالِفُ (مَنْ حَمَلَهُ وَأَخْرَجَهُ) عَنْهَا (حَنِثَ)؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْمَأْمُورِ يَنْتَقِلُ إلَى الْآمِرِ فَصَارَ كَدَابَّةٍ يَرْكَبُهَا فَيَخْرُجُ عَلَيْهَا (وَلَوْ حُمِلَ) الْحَالِفُ (وَأُخْرِجَ بِلَا أَمْرِهِ) حَالَ كَوْنِهِ (مُكْرَهًا) بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ (أَوْ رَاضِيًا) بِقَبْلِهِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْ (لَا يَحْنَثُ) فِي الصَّحِيحِ أَمَّا فِي الْأَوَّلِ فَلِعَدَمِ فِعْلِهِ حَقِيقَةً، وَهُوَ ظَاهِرٌ وَحُكْمًا لِعَدَمِ الْأَمْرِ مِنْهُ، وَالثَّانِي؛ فَلِأَنَّ انْتِقَالَ الْفِعْلِ بِالْأَمْرِ لَا الرِّضَى فَلَوْ هَدَّدَهُ فَخَرَجَ حَنِثَ لِوُجُودِ الْفِعْلِ مِنْهُ حَقِيقَةً وَإِذَا لَمْ يَحْنَثْ فِيهِمَا لَا يَنْحَلُّ فِي الصَّحِيحِ لِعَدَمِ فِعْلِهِ، وَقِيلَ يَنْحَلُّ وَيَظْهَرُ أَثَرُ هَذَا الْخِلَافِ فِيمَا لَوْ دَخَلَ بَعْدَ هَذَا الْإِخْرَاجِ هَلْ يَحْنَثُ فَمَنْ قَالَ انْحَلَّتْ قَالَ لَا يَحْنَثُ وَمَنْ قَالَ لَا يَنْحَلُّ قَالَ حَنِثَ وَوَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ، وَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ مِنْ أَنَّ اللَّائِقَ بِالْكِتَابِ أَنْ يَتْرُكَ هَذِهِ الْجُمْلَةَ؛ لِأَنَّهُ مَفْهُومٌ بِسَابِقِهِ لَيْسَ بِسَدِيدٍ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْخِلَافِ، وَالْعَجَبُ مِنْهُ أَنَّهُ صَرَّحَ فِي قَوْلِهِ مُكْرَهًا فَقَالَ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ الِامْتِنَاعُ وَإِلَّا فَقَدْ اخْتَلَفَ فِيهِ الْمَشَايِخُ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْنَثَ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ تَأَمَّلْ (وَمِثْلُهُ) أَيْ لَا يَخْرُجُ (لَا يَدْخُلُ) هَذِهِ الدَّارَ أَقْسَامًا وَحُكْمًا فَالْأَقْسَامُ أَنْ يَخْرُجَ بِأَمْرِهِ وَأَنْ يَخْرُجَ بِلَا أَمْرِهِ إمَّا مُكْرَهًا أَوْ رَاضِيًا، وَالْحُكْمُ الْحِنْثُ فِي الْأَوَّلِ وَعَدَمُهُ فِي الْآخَرَيْنِ كَمَا فِي الدُّرَرِ، لَكِنَّ الْأَوْلَى أَنْ يُصَوَّرَ بِالدُّخُولِ فَقَالَ أَنْ يَدْخُلَ فِي مَكَانِ أَنْ يَخْرُجَ لِكَوْنِهِ مَوْضُوعَ الْمَسْأَلَةِ تَأَمَّلْ (وَفِي لَا يَخْرُجُ) مِنْهَا (إلَّا إلَى جِنَازَةٍ) مَثَلًا (فَخَرَجَ) مِنْ بَابِ دَارِهِ (إلَيْهَا) حَالَ كَوْنِهِ يُرِيدُهَا (ثُمَّ) أَيْ بَعْدَ الْخُرُوجِ، وَالْإِرَادَةِ (أَتَى حَاجَةً أُخْرَى لَا يَحْنَثُ) بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ الْخُرُوجُ إلَى مَا حَلَفَ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا خَرَجَ إلَى الْجِنَازَةِ وَأَنَّهُ مُسْتَثْنًى مِنْ الْيَمِينِ، وَالْإِتْيَانُ بَعْدَ ذَلِكَ لَيْسَ بِخُرُوجٍ كَمَا لَوْ قَالَ إنْ خَرَجْت مِنْهَا إلَى الْمَسْجِدِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَخَرَجَتْ تُرِيدُ الْمَسْجِدَ، ثُمَّ بَدَا لَهَا فَذَهَبَتْ إلَى غَيْرِ الْمَسْجِدِ لَمْ تَطْلُقْ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ.
(وَفِي لَا يَخْرُجُ) مِنْ بَلَدِهِ (إلَى مَكَّةَ) مَثَلًا، وَالْأَوْلَى اخْتِيَارُ غَيْرِهَا مِنْ الْبُلْدَانِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلِيقُ بِالْمُسْلِمِ (فَخَرَجَ) مِنْ رَبَضِهِ حَالَ كَوْنِهِ (يُرِيدُهَا، ثُمَّ رَجَعَ) إلَيْهِ (حَنِثَ) لِوُجُودِ الْخُرُوجِ قَاصِدًا إلَيْهَا، وَهُوَ الشَّرْطُ إذْ الْخُرُوجُ هُوَ الِانْفِصَالُ مِنْ الدَّاخِلِ إلَى الْخَارِجِ وَإِنَّمَا قُلْنَا مِنْ رَبَضِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ خَرَجَ قَاصِدًا مَكَّةَ وَلَمْ يُجَاوِزْ عُمْرَانَ مِصْرِهِ لَا يَحْنَثُ بِخِلَافِ الْخُرُوجِ إلَى الْجِنَازَةِ هَذَا إذَا كَانَ بَيْنَهَا مُدَّةُ السَّفَرِ أَمَّا لَوْ لَمْ يَكُنْ فَيَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ بِمُجَرَّدِ انْفِصَالِهِ مِنْ الدَّاخِلِ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ فَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ أَطْلَقَ فِي مَحَلِّ التَّقْيِيدِ تَأَمَّلْ (وَفِي لَا يَأْتِيهَا) أَيْ مَكَّةَ (لَا يَحْنَثُ مَا لَمْ يَدْخُلْهَا) فَإِنَّ الْإِتْيَانَ عِبَارَةٌ عَنْ الْوُصُولِ كَمَا لَا يَحْنَثُ لَوْ حَلَفَ أَنْ لَا تَأْتِيَ امْرَأَتُهُ عُرْسَ فُلَانٍ فَذَهَبَتْ قَبْلَ الْعُرْسِ وَكَانَتْ ثَمَّةَ حَتَّى مَضَى الْعُرْسُ وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ (وَالذَّهَابُ) مَعْنًى (كَالْخُرُوجِ) فَإِذَا حَلَفَ لَا يَذْهَبُ إلَى مَكَّةَ فَخَرَجَ يُرِيدُهَا حَنِثَ (فِي الْأَصَحِّ) عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ الصَّاحِبَيْنِ فَيُشْتَرَطُ الْخُرُوجُ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ وَقِيلَ هُوَ كَالْإِتْيَانِ فَيُشْتَرَطُ الْوُصُولُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ لَكِنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الْمُعْتَمَدُ فَلِهَذَا قَدَّمَهُ مَا نَوَى؛ لِأَنَّهُ مُحْتَمَلُ كَلَامِهِ (وَفِي) وَاَللَّهِ (لَيَأْتِيَنَّ فُلَانًا فَلَمْ يَأْتِهِ حَتَّى مَاتَ حَنِثَ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ) أَجْزَاءِ (حَيَاتِهِ)؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْإِتْيَانِ حِينَئِذٍ يَتَحَقَّقُ لَا قَبْلَهُ، وَفِي الْغَايَةِ وَأَصْلُ هَذَا أَنَّ الْحَالِفَ فِي الْيَمِينِ الْمُطْلَقَةِ لَا يَحْنَثُ مَا دَامَ الْحَالِفُ، وَالْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ قَائِمَيْنِ لِتَصَوُّرِ الْبِرِّ، فَإِذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا فَإِنَّهُ يَحْنَثُ، فَعَلَى هَذَا أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ حَتَّى مَاتَ يَعُودُ إلَى أَحَدِهِمَا أَيِّهِمَا كَانَ لَا أَنَّهُ خَاصٌّ بِالْحَالِفِ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادِرُ.
(وَإِنْ قُيِّدَ الْإِتْيَانُ غَدًا بِالِاسْتِطَاعَةِ فَهُوَ) مَحْمُولٌ (عَلَى سَلَامَةِ الْآلَاتِ وَعَدَمِ الْمَوَانِعِ) الْحِسِّيَّةِ فَيَنْصَرِفُ اللَّفْظُ إلَيْهِمَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ.
وَفِي الْبَحْرِ فَهِيَ اسْتِطَاعَةُ الصِّحَّةِ؛ لِأَنَّهَا هِيَ الْمُرَادُ فِي الْعُرْفِ فَهِيَ سَلَامَةُ الْآلَاتِ وَصِحَّةُ الْأَسْبَابِ.
وَفِي الْمَبْسُوطِ الِاسْتِطَاعَةُ رَفْعُ الْمَوَانِعِ (فَلَوْ لَمْ يَأْتِ وَ) الْحَالُ (لَا مَانِعَ مِنْ مَرَضٍ أَوْ سُلْطَانٍ) أَوْ عَارِضٍ آخَرَ (حَنِثَ) إلَّا إذَا نَسِيَ الْيَمِينَ يَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ كَمَا فِي الْبَحْرِ؛ لِأَنَّ النِّسْيَانَ مَانِعٌ وَكَذَا لَوْ جُنَّ فَلَمْ يَأْتِهِ حَتَّى مَضَى الْغَدُ.
(وَلَوْ نَوَى) الِاسْتِطَاعَةَ (الْحَقِيقَةَ) وَهِيَ الْقُدْرَةُ الَّتِي يُحْدِثُهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي الْعَبْدِ عِنْدَ الْفِعْلِ وَذَا شَرْطٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ لَا عِلَّةٌ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (صُدِّقَ دِيَانَةً)؛ لِأَنَّهُ مُحْتَمَلُ كَلَامِهِ (لَا قَضَاءَ فِي) الْقَوْلِ (الْمُخْتَارِ)؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ.
وَفِي رِوَايَةٍ صُدِّقَ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ إذَا نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ فَإِنْ كَانَ الظَّاهِرُ لَا يُخَالِفُهُ صُدِّقَ دِيَانَةً وَقَضَاءً وَإِلَّا فَفِي تَصْدِيقِهِ قَضَاءً رِوَايَتَانِ، وَالْمُخْتَارُ عَدَمُ التَّصْدِيقِ فَلِهَذَا قَالَ فِي الْمُخْتَارِ.
وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ إنَّ الِاسْتِطَاعَةَ اسْتِطَاعَةُ الْأَمْوَالِ كَالزَّادِ، وَالرَّاحِلَةِ وَاسْتِطَاعَةُ الْأَفْعَالِ كَالْأَعْضَاءِ السَّلِيمَةِ وَاسْتِطَاعَةُ الْأَحْوَالِ وَهِيَ الْقُدْرَةُ عَلَى الْأَفْعَالِ لَا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهَا بِخِلَافِ الْأَوَّلَيْنِ وَيُسَمَّيَانِ بِالتَّوْفِيقِيَّةِ، وَالْأَخِيرَةُ بِالتَّكْلِيفِيَّةِ.
(وَفِي لَا تَخْرُجُ) امْرَأَتُهُ (إلَّا بِإِذْنِهِ) أَيْ بِإِذْنِ الزَّوْجِ أَيْ لَا تَخْرُجُ خُرُوجًا إلَّا خُرُوجًا مُلْصَقًا بِإِذْنِهِ (شُرِطَ الْإِذْنُ لِكُلِّ خُرُوجٍ)؛ لِأَنَّ النَّكِرَةَ وَقَعَتْ فِي حَيِّزِ النَّفْيِ فَتَعُمُّ، وَلَوْ نَوَى الْإِذْنَ مَرَّةً صُدِّقَ دِيَانَةً.
لِأَنَّهُ مُحْتَمَلُ كَلَامِهِ، لَا قَضَاءً؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَالْحِيلَةُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ لَهَا كُلَّمَا أَرَدْت الْخُرُوجَ فَقَدْ أَذِنْت لَك، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ ذَلِكَ الشَّرْطُ فِي غَيْرِ إذْنِي وَكَذَا فِي إلَّا بِرِضَائِي أَوْ إرَادَتِي أَوْ أَمْرِي، وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ أَذِنَ بِلَا فَهْمٍ لِكَوْنِهَا نَائِمَةً أَوْ عَجَمِيَّةً فَلَيْسَ بِإِذْنٍ لَا يَتَحَقَّقُ بِدُونِ الْعِلْمِ فِي قَوْلِ الطَّرَفَيْنِ عَلَى الصَّحِيحِ.
وَفِي الْبَحْرِ وَفِي قَوْلِهِ إنْ خَرَجْت مِنْ الدَّارِ إلَّا بِإِذْنِي فَأَنْتِ طَالِقٌ لَا يَحْنَثُ بِخُرُوجِهَا بِوُقُوعِ غَرَقٍ أَوْ حَرْقٍ غَالِبٍ فِيهَا (وَفِي إلَّا إنْ) أَيْ حَتَّى (أَذِنَ يَكْفِي الْإِذْنُ مَرَّةً) فَلَا يَحْنَثُ إنْ خَرَجَتْ بِلَا إذْنٍ بَعْدَمَا خَرَجَتْ بِإِذْنٍ مَرَّةً؛ لِأَنَّ إلَّا إنْ لِلْغَايَةِ فَتَنْتَهِي الْيَمِينُ بِهِ.
وَفِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ سُؤَالٌ وَجَوَابٌ فَلْيُطَالَعْ (وَفِي لَا تَخْرُجُ إلَّا بِإِذْنِهِ لَوْ أَذِنَ لَهَا فِيهِ) أَيْ فِي الْخُرُوجِ (مَتَى شَاءَتْ) يَعْنِي إذَا قَالَ إنْ خَرَجْتِ إلَّا بِإِذْنِي فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ قَالَ لَهَا أَذِنْتُ لَك أَنْ تَخْرُجِي كُلَّمَا شِئْت (ثُمَّ نَهَاهَا) عَنْ الْخُرُوجِ (فَخَرَجَتْ لَا يَحْنَثُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ)؛ لِأَنَّ نَهْيَهُ بَعْدَ إذْنِهِ الْعَامِّ لَا يُفِيدُ لِارْتِفَاعِ الْيَمِينِ بَعْدَ الْإِذْنِ الْعَامِّ (خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ)؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَذِنَ لَهَا بِالْخُرُوجِ مَرَّةً، ثُمَّ نَهَاهَا يُعْمَلُ نَهْيُهُ اتِّفَاقًا فَكَذَا بَعْدَ الْإِذْنِ الْعَامِّ.
وَفِي الذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهَا الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فَعَلَى هَذَا لَوْ قَدَّمَهُ لَكَانَ أَوْلَى كَمَا هُوَ دَأْبُهُ تَدَبَّرْ.
(وَلَوْ أَرَادَتْ) الْمَرْأَةُ (الْخُرُوجَ فَقَالَ) الزَّوْجُ (إنْ خَرَجْت) فَأَنْتِ طَالِقٌ (أَوْ) أَرَادَتْ (ضَرْبَ الْعَبْدِ فَقَالَ إنْ ضَرَبْت) فَعَبْدُهُ حُرٌّ (تَقَيَّدَ الْحِنْثُ بِالْفِعْلِ فَوْرًا) أَيْ تَقَيَّدَ يَمِينُهُ بِتِلْكَ الْخُرْجَةِ، وَالضَّرْبَةِ (فَلَوْ لَبِثَتْ) سَاعَةً (ثُمَّ فَعَلَتْ) أَيْ خَرَجَتْ أَوْ ضَرَبَتْ (لَا يَحْنَثُ) الْحَالِفُ وَهَذِهِ يَمِينُ الْفَوْرِ مَأْخُوذٌ مِنْ فَارَتْ الْقِدْرُ إذَا غَلَتْ فَاسْتُعِيرَ لِلسُّرْعَةِ، ثُمَّ سُمِّيَتْ بِهِ الْحَالَةُ الَّتِي لَا لُبْثَ فِيهَا وَتَفَرَّدَ الْإِمَامُ بِإِظْهَارِهَا وَلَمْ يَسْبِقْهُ أَحَدٌ فِيهِ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَقُولُونَ الْيَمِينُ نَوْعَانِ مُطْلَقَةٌ كَلَا يَفْعَلُ كَذَا وَمُوَقَّتَةٌ كَلَا تَفْعَلُ كَذَا الْيَوْمَ فَخَرَّجَ قِسْمًا ثَالِثًا وَهِيَ الْمُوَقَّتَةُ مَعْنًى الْمُطْلَقَةُ لَفْظًا وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ إنْ لَمْ أَخْرُجْ أَوْ لَمْ أَذْهَبْ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ وَنَوَى الْخُرُوجَ، وَالذَّهَابَ دُونَ السُّكْنَى، وَالْفَوْرِ لَمْ يَحْنَثْ بِالتَّوَقُّفِ وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ نَوَى السُّكْنَى أَوْ الْفَوْرَ أَوْ دَلَّ عَلَيْهِ دَلِيلٌ حَنِثَ كَمَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِيَيْنِ.
(قَالَ لِآخَرَ اجْلِسْ فَتَغَدَّ مَعِي فَقَالَ إنْ تَغَدَّيْت فَكَذَا) أَيْ فَعَبْدِي حُرٌّ مَثَلًا (لَا يَحْنَثُ بِالتَّغَدِّي لَا مَعَهُ) أَيْ بِدُونِهِ.
(وَلَوْ) وَصْلِيَّةً (فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ)؛ لِأَنَّ مُرَادَ الْمُتَكَلِّمِ الزَّجْرُ عَنْ تِلْكَ الْحَالَةِ فَيَتَقَيَّدُ بِهَا؛ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ يَتَقَيَّدُ بِالْحَالِ فَيَنْصَرِفُ إلَى الْغَدَاءِ الْمَدْعُوِّ إلَيْهِ، وَالْقِيَاسُ أَنْ يَحْنَثَ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ، وَالْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ؛ لِأَنَّهُ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى مُطْلَقِ الْغَدَاءِ فَيَتَنَاوَلُ كُلَّ غَدَاءٍ (إلَّا أَنْ قَالَ إنْ تَغَدَّيْت الْيَوْمَ) أَوْ مَعَك فَعَبْدِي حُرٌّ فَتَغَدَّى فِي بَيْتِهِ أَوْ مَعَهُ فِي وَقْتٍ آخَرَ يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ زَادَ عَلَى قَدْرِ الْجَوَابِ فَيُجْعَلُ مُبْتَدَأً.
(وَفِي لَا يَرْكَبُ دَابَّةَ فُلَانٍ) أَيْ حَلَفَ عَلَيْهِ (فَرَكِبَ دَابَّةَ عَبْدٍ لَهُ) أَيْ لِفُلَانٍ (مَأْذُونٍ لَا يَحْنَثُ إلَّا إنْ نَوَاهُ) أَيْ مَرْكَبَ مَأْذُونٍ (وَهُوَ) الْحَالُ أَنَّ الْعَبْدَ (غَيْرُ مُسْتَغْرَقٍ بِالدَّيْنِ) فَحِينَئِذٍ يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ مَرْكَبَهُ لِمَوْلَاهُ فَإِنْ كَانَ دَيْنُهُ مُسْتَغْرِقًا لَا يَحْنَثُ وَإِنْ نَوَى؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لِلْمَوْلَى فِي كَسْبِ عَبْدِهِ الْمَدْيُونِ الْمُسْتَغْرَقِ عِنْدَ الْإِمَامِ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَحْنَثُ مُطْلَقًا) سَوَاءٌ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَا (إنْ نَوَاهُ)؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ اسْتِغْرَاقُ كَسْبِ الْعَبْدِ بِالدَّيْنِ لَا يَمْنَعُ مِلْكَ الْمَوْلَى إلَّا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهِ النِّيَّةُ لِاخْتِلَالِ الْإِضَافَةِ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ)، وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ (يَحْنَثُ مُطْلَقًا وَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ) اعْتِبَارًا لِحَقِيقَةِ الْمِلْكِ الثَّابِتِ لِلسَّيِّدِ إذْ اسْتِغْرَاقُ الدَّيْنِ بِالْكَسْبِ لَا يَمْنَعُ مِلْكَ الْمَوْلَى عِنْدَهُ قُيِّدَ بِالْمَأْذُونِ؛ لِأَنَّ مَرْكَبَ الْمُكَاتَبِ لَيْسَ مَرْكَبًا لِمَوْلَاهُ فَلَا يَحْنَثُ بِالِاتِّفَاقِ.
وَفِي الْبَحْرِ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ فَالْيَمِينُ عَلَى مَا يَرْكَبُهُ النَّاسُ مِنْ الْفَرَسِ، وَالْبَغْلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَلَوْ رَكِبَ ظَهْرَ إنْسَانٍ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ أَوْهَامَ النَّاسِ لَا تَسْبِقُ إلَى هَذَا حَلَفَ لَا يَرْكَبُ دَابَّةً وَلَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَرَكِبَ حِمَارًا أَوْ فَرَسًا أَوْ بِرْذَوْنًا أَوْ بَغْلًا حَنِثَ فَإِنْ رَكِبَ غَيْرَهَا نَحْوَ الْبَعِيرِ، وَالْفِيلِ لَا يَحْنَثُ اسْتِحْسَانًا إلَّا أَنْ يَنْوِيَ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ فَرَسًا فَرَكِبَ بِرْذَوْنًا أَوْ بِالْعَكْسِ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ الْفَرَسَ اسْمٌ لِلْعَرَبِيِّ، وَالْبِرْذَوْنَ لِلْعَجَمِيِّ، وَالْخَيْلُ يَنْتَظِمُ الْكُلَّ، وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْيَمِينُ بِالْعَرَبِيَّةِ فَإِنْ كَانَتْ بِالْفَارِسِيَّةِ يَحْنَثُ بِكُلِّ حَالٍ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ دَابَّةً فَحُمِلَ عَلَى الدَّابَّةِ مُكْرَهًا لَا يَحْنَثُ وَإِنْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ أَوْ لَا يَرْكَبُ مَرْكَبًا فَرَكِبَ سَفِينَةً أَوْ مَحْمَلًا أَوْ دَابَّةً حَنِثَ وَلَوْ رَكِبَ آدَمِيًّا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْنَثَ انْتَهَى.
وَفِي التَّبْيِينِ لَوْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ حَيَوَانًا يَحْنَثُ بِالرُّكُوبِ عَلَى إنْسَانٍ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ الْحَيَوَانِ، وَالْعُرْفُ الْعَمَلِيُّ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُرْكَبُ عَادَةً لَا يَصْلُحُ مُقَيِّدًا انْتَهَى لَكِنْ يُشْكِلُ بِمَا سَبَقَ مِنْ أَنَّ الْأَيْمَانَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْعُرْفِ لَا عَلَى الْأَلْفَاظِ وَلَا عَلَى الْحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّةِ قَالُوا فِي الْأُصُولِ الْحَقِيقَةُ تُتْرَكُ بِدَلَالَةِ الْعَادَةِ إذْ لَيْسَتْ الْعَادَةُ إلَّا عُرْفًا عَمَلِيًّا تَأَمَّلْ.

.بَابُ الْيَمِينِ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَاللُّبْسِ وَالْكَلَامِ:

الْأَكْلُ إيصَالُ مَا يَحْتَمِلُ الْمَضْغَ بِفِيهِ إلَى الْجَوْفِ مَضَغَ أَوْ لَا كَالْخُبْزِ، وَاللَّحْمِ، وَالْفَاكِهَةِ وَنَحْوِهَا، وَالشُّرْبُ إيصَالُ مَا لَا يَحْتَمِلُ الْمَضْغَ مِنْ الْمَائِعَاتِ إلَى الْجَوْفِ مِثْلُ الْمَاءِ، وَالنَّبِيذِ، وَاللَّبَنِ، وَالْعَسَلِ فَإِنْ وُجِدَ ذَلِكَ يَحْنَثُ وَإِلَّا فَلَا إلَّا إذَا كَانَ ذَلِكَ يُسَمَّى أَكْلًا أَوْ شُرْبًا فِي الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ فَيَحْنَثُ فَإِذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ كَذَا وَلَا يَشْرَبُ فَأَدْخَلَهُ فِي فِيهِ وَمَضَغَهُ، ثُمَّ أَلْقَاهُ لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يُدْخِلَهُ فِي جَوْفِهِ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذِهِ الْبَيْضَةَ أَوْ الْجَوْزَةَ فَابْتَلَعَهَا حَنِثَ لِوُجُودِ الْأَكْلِ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ رُمَّانًا فَجَعَلَ يَمُصُّهُ وَيَرْمِي بِثُفْلِهِ وَيَبْتَلِعُ مَاءَهُ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ هَذَا مَصٌّ لَيْسَ بِأَكْلٍ وَلَا شُرْبٍ وَأَمَّا الذَّوْقُ فَهُوَ مَعْرِفَةُ الشَّيْءِ بِفِيهِ مِنْ غَيْرِ إدْخَالِ عَيْنِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْأَكْلَ، وَالشُّرْبَ يُفْطِرُ لَا الذَّوْقَ.
وَفِي الْبَحْرِ لَوْ حَلَفَ لَا يَذُوقُ فِي مَنْزِلِ فُلَانٍ طَعَامًا وَلَا شَرَابًا فَذَاقَ شَيْئًا أَدْخَلَهُ فِي فِيهِ وَلَمْ يَصِلْ إلَى جَوْفِهِ حَنِثَ.
فَإِذَا عَلِمَ هَذِهِ لَوْ حَلَفَ (لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ النَّخْلَةِ فَهُوَ) أَيْ الْأَكْلُ يَقَعُ (عَلَى ثَمَرِهَا) بِالْمُثَلَّثَةِ (وَدِبْسِهَا غَيْرِ الْمَطْبُوخِ)؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْيَمِينَ إلَى مَا لَا يُؤْكَلُ فَيَنْصَرِفُ إلَى مَا يَخْرُجُ مِنْهَا بِلَا صُنْعِ أَحَدٍ تَجَوُّزًا بِاسْمِ السَّبَبِ، وَهُوَ النَّخْلَةُ فِي الْمُسَبَّبِ، وَهُوَ الْخَارِجُ؛ لِأَنَّهَا سَبَبٌ فِيهِ لَكِنَّ شَرْطَهُ أَنْ لَا يَتَغَيَّرَ بِصِفَةٍ حَادِثَةٍ فَلِذَا قَيَّدَهُ بِغَيْرِ الْمَطْبُوخِ وَقَالَ (لَا) يَقَعُ عَلَى (نَبِيذِهَا وَخَلِّهَا وَدِبْسِهَا الْمَطْبُوخِ)؛ لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهَا إلَّا أَنَّهَا تَغَيَّرَتْ بِصِفَةٍ جَدِيدَةٍ.
وَفِي الْغَايَةِ وَقُيِّدَ الدِّبْسُ بِالْمَطْبُوخِ وَإِنْ كَانَ الدِّبْسُ لَا يَكُونُ إلَّا مَطْبُوخًا احْتِرَازًا عَمَّا إذَا أَطْلَقَ اسْمَ الدِّبْسِ عَلَى مَا يَسِيلُ بِنَفْسِهِ مِنْ الرُّطَبِ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِالرُّطَبِ، وَالتَّمْرِ، وَالْبُسْرِ، وَالرَّامِخِ، وَالْجِمَارِ، وَالطَّلْعِ كَمَا فِي الْمِنَحِ وَغَيْرِهِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ قُطِعَ مِنْهَا غُصْنٌ فَوُصِلَ بِأُخْرَى فَأَثْمَرَ فَأَكَلَ مِنْ ثَمَرِهَا لَا يَحْنَثُ وَإِلَى أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ عَيْنِ النَّخْلَةِ وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَيْنُ الشَّجَرِ مِمَّا يُؤْكَلُ حَنِثَ بِأَكْلِ عَيْنِهَا كَقَصَبِ السُّكَّرِ وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ تَكُنْ لِلشَّجَرِ ثَمَرٌ تُصْرَفُ يَمِينُهُ إلَى ثَمَنِهَا فَيَحْنَثُ إذَا اشْتَرَى بِهِ مَأْكُولًا وَأَكَلَهُ، وَهَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ وَإِلَّا فَعَلَى مَا نَوَى إنْ احْتَمَلَهُ اللَّفْظُ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ.
(أَوْ مِنْ هَذِهِ الشَّاةِ فَهُوَ عَلَى اللَّحْمِ) أَيْ يَحْنَثُ بِأَكْلِ اللَّحْمِ خَاصَّةً (دُونَ اللَّبَنِ، وَالزُّبْدِ)؛ لِأَنَّ عَيْنَ الشَّاةِ مَأْكُولَةٌ فَتَنْعَقِدُ الْيَمِينُ عَلَيْهَا.
وَفِي الْبَحْرِ لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذَا الْعِنَبِ لَا يَحْنَثُ بِزَبِيبِهِ وَعَصِيرِهِ؛ لِأَنَّ حَقِيقَتَهُ لَيْسَتْ مَهْجُورَةً فَيَتَعَلَّقُ الْحَلِفُ بِمُسَمَّى الْعِنَبِ (وَفِي) حَلِفِهِ (لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذَا الْبُسْرِ فَأَكَلَهُ) أَيْ أَكَلَ ذَلِكَ الْبُسْرَ حَالَ كَوْنِهِ (رُطَبًا لَا يَحْنَثُ وَكَذَا مِنْ هَذَا الرُّطَبِ أَوْ اللَّبَنِ) أَيْ إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُهُمَا (فَأَكَلَهُ) أَيْ أَكَلَ ذَلِكَ الرُّطَبَ حَالَ كَوْنِهِ (تَمْرًا أَوْ) أَكَلَ ذَلِكَ اللَّبَنَ حَالَ كَوْنِهِ (شِيرَازًا) لَا يَحْنَثُ إذْ هَذِهِ صِفَاتٌ دَاعِيَةٌ إلَى الْيَمِينِ فَيَتَقَيَّدُ بِهَا (بِخِلَافِ لَا يُكَلِّمُ هَذَا الصَّبِيَّ فَكَلَّمَهُ) بَعْدَمَا صَارَ (شَابًّا أَوْ شَيْخًا أَوْ لَا يَأْكُلُ لَحْمَ هَذَا الْحَمْلِ فَأَكَلَهُ) بَعْدَمَا صَارَ (كَبْشًا) حَيْثُ يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ صِفَةَ الصِّبَا، وَالشَّبَابِ وَإِنْ كَانَتْ دَاعِيَةً إلَى الْيَمِينِ لَكِنَّ هِجْرَانَهُ لِأَجْلِ صِبَاهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ؛ لِأَنَّا أُمِرْنَا بِتَحَمُّلِ أَخْلَاقِ الْفِتْيَانِ وَمَرْحَمَةِ الصِّبْيَانِ فَكَانَ مَهْجُورًا شَرْعًا، وَالْمَهْجُورُ شَرْعًا كَالْمَهْجُورِ عَادَةً فَلَا يُعْتَبَرُ وَتَتَعَلَّقُ الْيَمِينُ بِالْإِشَارَةِ وَأَمَّا الْحَمْلُ؛ فَلِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ صِفَةٌ دَاعِيَةٌ إلَى الْيَمِينِ، وَالْأَصْلُ أَنَّ الْيَمِينَ مَتَى انْعَقَدَ عَلَى شَيْءٍ بِوَصْفٍ فَإِنْ صَلَحَ دَاعِيًا إلَى الْيَمِينِ بِهِ يَتَقَيَّدُ بِهِ سَوَاءٌ كَانَ مُعَرَّفًا أَوْ مُنَكَّرًا احْتِرَازًا عَنْ الْإِلْغَاءِ وَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ فَإِنْ كَانَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ مُنَكَّرًا يَتَقَيَّدُ بِهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْوَصْفَ مَقْصُودٌ بِالْيَمِينِ وَإِنْ كَانَ مُعَرَّفًا لَا يَتَقَيَّدُ فَعَلَى هَذَا (وَفِي) حَلِفِهِ (لَا يَأْكُلُ بُسْرًا فَأَكَلَهُ رُطَبًا لَا يَحْنَثُ) وَفِي هَذَا الْمَحَلِّ كَلَامٌ فِي الدُّرَرِ عَلَى صَدْرِ الشَّرِيعَةِ فَلْيُطَالَعْ.
(وَلَوْ أَكَلَ مُذَنِّبًا) بَعْدَمَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ بُسْرًا (حَنِثَ وَكَذَا لَوْ أَكَلَهُ) أَيْ الْمُذَنِّبَ (بَعْدَمَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ رُطَبًا) حَنِثَ عِنْدَ الْإِمَامِ (وَقَالَا)، وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ (لَا يَحْنَثُ فِيهِمَا وَلَوْ أَكَلَهُ) أَيْ الْمُذَنِّبَ سَوَاءٌ كَانَ رُطَبًا مُذَنِّبًا أَوْ بُسْرًا مُذَنِّبًا (بَعْدَ حَلِفِهِ لَا يَأْكُلُ رُطَبًا وَلَا بُسْرًا حَنِثَ اتِّفَاقًا) وَفِي الْكَافِي حَلَفَ لَا يَأْكُلُ بُسْرًا أَوْ لَا يَأْكُلُ رُطَبًا أَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ رُطَبًا لَا بُسْرًا فَأَكَلَ مُذَنِّبًا حَنِثَ سَوَاءٌ أَكَلَ رُطَبًا مُذَنِّبًا أَوْ بُسْرًا مُذَنِّبًا هَذَا عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ رُطَبًا فَأَكَلَ رُطَبًا مُذَنِّبًا حَنِثَ وَإِنْ أَكَلَ بُسْرًا مُذَنِّبًا لَا يَحْنَثُ وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ بُسْرًا فَأَكَلَ بُسْرًا مُذَنِّبًا حَنِثَ وَإِنْ أَكَلَ رُطَبًا مُذَنِّبًا فَعَلَى الْخِلَافِ وَذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ قَوْلَ مُحَمَّدٍ مَعَ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَالنُّسَخُ الْمُعْتَبَرَةُ كَشُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَالْمَبْسُوطِ، وَالْمَنْظُومَةِ، وَالْأَسْرَارِ، وَالْإِيضَاحِ وَغَيْرِهَا تَشْهَدُ لِمَا ذَكَرْت، وَالْبُسْرُ الْمُذَنِّبُ بِكَسْرِ النُّونِ الْمُشَدَّدَةِ الَّذِي أَكْثَرُهُ بُسْرٌ وَشَيْءٌ مِنْهُ رُطَبٌ، وَالرُّطَبُ الْمُذَنِّبُ الَّذِي أَكْثَرُهُ رُطَبٌ وَشَيْءٌ مِنْهُ بُسْرٌ فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ اُعْتُبِرَ الْغَالِبُ إذْ الْمَغْلُوبُ فِي مُقَابَلَتِهِ كَالْمَعْدُومِ عُرْفًا فَاَلَّذِي عَامَّتُهُ رُطَبٌ يُسَمَّى رُطَبًا عُرْفًا لَا بُسْرًا وَشَرْعًا إذْ الْعِبْرَةُ لِلْغَالِبِ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ كَمَا فِي الرَّضَاعِ وَغَيْرِهِ وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي رُطَبًا فَاشْتَرَى بُسْرًا مُذَنِّبًا لَا يَحْنَثُ وَلَهُمَا أَنَّهُ أَكَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ وَزِيَادَةً فَيَحْنَثُ وَلِهَذَا لَوْ مَيَّزَهُ وَأَكَلَهُ يَحْنَثُ إجْمَاعًا فَكَذَا إذَا أَكَلَهُ مَعَ غَيْرِهِ انْتَهَى فَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ عِبَارَةَ الْمُصَنِّفِ لَا تَخْلُو عَنْ شَيْءٍ تَأَمَّلْ.
(وَفِي) حَلِفِهِ (لَا يَشْتَرِي رُطَبًا فَاشْتَرَى كِبَاسَةَ بُسْرٍ) بِالْكَسْرِ هِيَ عُنْقُودُ النَّخْلِ (فِيهَا رُطَبٌ لَا يَحْنَثُ)؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ صَادَفَ الْمَجْمُوعَ وَكَانَ الرُّطَبُ تَابِعًا وَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ شَعِيرًا فَأَكَلَ حِنْطَةً فِيهَا شَعِيرٌ حَبَّةً حَبَّةً يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ الْأَكْلَ صَادَفَ شَيْئًا شَيْئًا فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَقْصُودًا وَإِنْ حَلَفَ عَلَى الشِّرَاءِ لَمْ يَحْنَثْ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَالْقُهُسْتَانِيّ إذْ الْمُتَبَادِرُ مِنْ إضَافَةِ الْكِبَاسَةِ إلَى الْبُسْرِ وَجَعْلِهَا ظَرْفًا لِلرُّطَبِ أَنَّ الْبُسْرَ غَالِبٌ فَلَوْ كَانَ الرُّطَبُ غَالِبًا أَوْ هُوَ، وَالْبُسْرُ مُتَسَاوِيَيْنِ يَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ (كَمَا لَوْ اشْتَرَى بُسْرًا مُذَنِّبًا) لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْمَغْلُوبَ تَابِعٌ.
(وَفِي) حَلِفِهِ (لَا يَأْكُلُ لَحْمًا أَوْ بَيْضًا) بِلَا نِيَّةٍ (فَأَكَلَ لَحْمَ سَمَكٍ أَوْ بَيْضَةً لَا يَحْنَثُ)، وَالْقِيَاسُ أَنْ يَحْنَثَ وَهِيَ رِوَايَةٌ شَاذَّةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ؛ لِأَنَّهُ يُسَمَّى لَحْمًا كَمَا فِي الْقُرْآنِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْأَيْمَانَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْعُرْفِ لَا عَلَى أَلْفَاظِ الْقُرْآنِ كَمَا بَيَّنَّاهُ آنِفًا فَإِنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ دَابَّةً فَرَكِبَ كَافِرًا أَوْ لَا يَجْلِسُ عَلَى وَتِدٍ فَجَلَسَ عَلَى جَبَلٍ لَا يَحْنَثُ وَإِنْ سُمِّيَ فِيهِ دَابَّةً وَأَوْتَادًا، وَالْعُرْفُ مَعَنَا وَلِهَذَا لَا يُسْتَعْمَلُ اسْتِعْمَالَ اللَّحْمِ لِاِتِّخَاذِ الْبَاجَّاتِ مِنْهُ وَبَائِعُ السَّمَكِ لَا يُسَمَّى لَحَّامًا إلَّا أَنْ يَنْوِيَ فَحِينَئِذٍ يُعْتَبَرُ؛ لِأَنَّهُ لَحْمٌ مِنْ وَجْهٍ وَفِيهِ تَشْدِيدٌ عَلَيْهِ وَكَذَا الْحُكْمُ فِي بَيْضِهِ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْبَيْضِ عُرْفًا يَتَنَاوَلُ بَيْضَ الطَّيْرِ بِمَا لَهُ قِشْرٌ فَلَا يَدْخُلُ فِيهِ بَيْضُ السَّمَكِ إلَّا بِنِيَّةٍ.
(وَكَذَا فِي الشِّرَاءِ) أَيْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي لَحْمًا أَوْ بَيْضًا فَاشْتَرَى لَحْمَ السَّمَكِ أَوْ بَيْضَهُ لَا يَحْنَثُ لِمَا بَيَّنَّاهُ.
(وَلَوْ أَكَلَ لَحْمَ إنْسَانٍ أَوْ خِنْزِيرٍ) فِي لَا يَأْكُلُ لَحْمًا (حَنِثَ) لِوُجُودِ صُورَةِ اللَّحْمِ وَمَعْنَاهُ؛ لِأَنَّهُ يَنْشَأُ مِنْ الدَّمِ إلَّا أَنَّهُ حُرِّمَ أَكْلُهُ شَرْعًا وَذَا لَا يُبْطِلُ حَقِيقَتَهُ فَرُبَّمَا دَعَا إلَى الْيَمِينِ حُرْمَتُهُ أَلَا تَرَى لَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ شَرَابًا يَحْنَثُ بِالْخَمْرِ وَإِنْ كَانَتْ حَرَامًا؛ لِأَنَّهَا شَرَابٌ حَقِيقَةً وَذَكَرَ الْعَتَّابِيُّ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْكَافِي.
وَفِي الْبَحْرِ هَذَا هُوَ الْحَقُّ اعْتِبَارًا لِلْعُرْفِ (وَكَذَا) أَيْ يَحْنَثُ فِي لَا يَأْكُلُ (لَوْ أَكَلَ كَبِدًا أَوْ كَرِشًا)؛ لِأَنَّ مَنْشَأَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مِنْ الدَّمِ، وَالِاخْتِصَاصُ بِاسْمِ آخَرَ لَا لِلنُّقْصَانِ كَالرَّأْسِ، وَالْكُرَاعِ قَالَ صَاحِبُ الْمُحِيطِ هَذَا فِي عُرْفِ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَفِي عُرْفِنَا لَا يَحْنَثُ فَلِذَا قَالَ (، وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِهِمَا) بِالْكَبِدِ، وَالْكَرِشِ (فِي عُرْفِنَا) وَفِي الِاخْتِيَارِ وَغَيْرِهِ الْكَرِشُ، وَالْكَبِدُ، وَالرِّئَةُ، وَالْفُؤَادُ، وَالرَّأْسُ، وَالْأَكَارِعُ، وَالْأَمْعَاءُ، وَالطِّحَالُ لَحْمٌ؛ لِأَنَّهَا تُبَاعُ مَعَ اللَّحْمِ، وَهَذَا فِي عُرْفِهِمْ وَأَمَّا فِي الْبِلَادِ الَّتِي لَا تُبَاعُ مَعَ اللَّحْمِ فَلَا يَحْنَثُ اعْتِبَارًا لِلْعُرْفِ فِي كُلِّ بَلْدَةٍ فِي كُلِّ زَمَانٍ فَيَكُونُ الِاخْتِلَافُ اخْتِلَافَ عَصْرٍ وَزَمَانٍ لَا اخْتِلَافَ حُجَّةٍ وَبُرْهَانٍ.
وَفِي الْفَتْحِ وَعَلَى الْمُفْتِي أَنْ يُفْتِيَ بِمَا هُوَ الْمُعْتَادُ فِي كُلِّ مِصْرٍ وَقَعَ فِيهِ الْحَلِفُ انْتَهَى فَإِذَا عَرَفْت هَذَا فَاعْلَمْ أَنَّ مَا فِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ حَلَفَ أَنْ لَا يَشْرَبَ الشَّرَابَ وَلَمْ يَنْوِ شَيْئًا كَانَتْ الْيَمِينُ عَلَى الْخَمْرِ قَالَ فِي عُرْفِنَا يَقَعُ الْيَمِينُ عَلَى كُلِّ مُسْكِرٍ مَحْمُولٍ عَلَى عُرْفِ بَلَدِهِ وَزَمَانِهِ؛ لِأَنَّ فِي عُرْفِنَا لَا يُطْلَقُ إلَّا عَلَى الْخَمْرِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْنَثَ فِي شُرْبِ غَيْرِهِ فَالْعَجَبُ أَنَّ بَعْضَ الْمُفْتِينَ فِي دِيَارِنَا أَفْتَوْا بِالْحِنْثِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي شُرْبِ الْمُسْكِرِ فَلَمْ أَطَّلِعْ عَلَى سَبَبِهِ تَأَمَّلْ فَإِنَّهُ مِنْ مَزَالِقِ الْأَقْدَامِ (كَمَا لَوْ أَكَلَ أَلْيَةً) بَعْدَمَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ نَوْعٌ آخَرُ.
(وَفِي) حَلِفِهِ (لَا يَأْكُلُ شَحْمًا يَتَقَيَّدُ بِشَحْمِ الْبَطْنِ فَلَا يَحْنَثُ) عِنْدَ الْإِمَامِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ فِي الْأَصَحِّ (بِشَحْمِ الظَّهْرِ)، وَهُوَ الَّذِي خَالَطَهُ لَحْمٌ (خِلَافًا لَهُمَا) فَإِنَّهُ يَحْنَثُ عِنْدَهُمَا بِشَحْمِ الظَّهْرِ أَيْضًا لِوُجُودِ خَاصِّيَّةِ الشَّحْمِ، وَهُوَ الذَّوْبُ بِالنَّارِ وَلَهُ أَنَّهُ لَحْمٌ حَقِيقَةً أَلَّا يُرَى أَنَّهُ يَنْشَأُ مِنْ الدَّمِ وَيُسْتَعْمَلُ اسْتِعْمَالَهُ وَتَحْصُلُ بِهِ قُوَّةٌ وَلِهَذَا يَحْنَثُ بِأَكْلِهِ فِي الْيَمِينِ عَلَى أَكْلِ اللَّحْمِ فَلَا يَحْنَثُ بِبَيْعِهِ فِي الْيَمِينِ عَلَى بَيْعِ الشَّحْمِ وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ أَيْضًا وَقِيلَ هَذَا بِالْعَرَبِيَّةِ فَأَمَّا اسْمُ يبه بِالْفَارِسِيَّةِ لَا يَقَعُ عَلَى شَحْمِ الظَّهْرِ بِحَالٍ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَمَا فِي الْكَافِي مِنْ أَنَّ الشُّحُومَ أَرْبَعَةٌ شَحْمُ الْبَطْنِ وَشَحْمُ الظَّهْرِ وَشَحْمٌ مُخْتَلِطٌ بِالْعَظْمِ وَشَحْمٌ عَلَى ظَاهِرِ الْأَمْعَاءِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ يَحْنَثُ بِشَحْمِ الْبَطْنِ، وَالثَّلَاثَةُ عَلَى الْخِلَافِ لَا يَخْلُو مِنْ نَظَرٍ، بَلْ لَا يَنْبَغِي خِلَافٌ فِي عَدَمِ الْحِنْثِ بِمَا فِي الْعَظْمِ قَالَ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ إنَّ أَحَدًا لَمْ يَقُلْ بِأَنَّ مُخَّ الْعَظْمِ شَحْمٌ انْتَهَى وَكَذَا لَا يَنْبَغِي خِلَافٌ فِي الْحِنْثِ بِمَا فِي الْأَمْعَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ فِي تَسْمِيَتِهِ شَحْمًا كَمَا فِي الْفَتْحِ (وَلَوْ أَكَلَ أَلْيَةً أَوْ لَحْمًا) بَعْدَمَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ شَحْمًا (لَا يَحْنَثُ اتِّفَاقًا) لِمَا مَرَّ.
وَفِي الْخُلَاصَةِ لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا حَنِثَ بِأَكْلِ لَحْمِ الْإِبِلِ، وَالْغَنَمِ، وَالْبَقَرِ، وَالطُّيُورِ مَطْبُوخًا كَانَ أَوْ مَشْوِيًّا أَوْ قَدِيدًا كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْأَصْلِ فَهَذَا مِنْ مُحَمَّدٍ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِالْأَلْيَةِ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ وَعِنْدَ الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ يَحْنَثُ.
وَفِي الْخَانِيَّةِ لَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلُ لَحْمَ الْبَقَرِ فَأَكَلَ لَحْمَ الْجَامُوسِ أَوْ بِالْعَكْسِ حَنِثَ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَكُونُ حَانِثًا.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ لَحْمَ الْبَقَرِ فَأَكَلَ لَحْمَ الْجَامُوسِ حَنِثَ وَبِالْعَكْسِ لَا يَحْنَثُ، وَهَذَا أَصَحُّ مِنْ الْأُولَى قَالَ مَوْلَانَا وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْنَثَ فِي الْفَصْلَيْنِ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ النَّاسَ يُفَرِّقُونَ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ كَمَا لَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ لَحْمَ الشَّاةِ فَأَكَلَ لَحْمَ الْعَيْنِ سَوَاءٌ كَانَ الْحَالِفُ مِصْرِيًّا أَوْ قَرَوِيًّا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى.
وَفِي الْمِنَحِ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذَا الْحِمَارِ يَقَعُ عَلَى كِرَائِهِ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذَا الْكَلْبِ إنَّمَا يَقَعُ عَلَى صَيْدِهِ وَلَا يَقَعُ عَلَى لَحْمِهِ (وَفِي) حَلِفِهِ (لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ الْحِنْطَةِ يَتَقَيَّدُ بِأَكْلِهَا قَضْمًا بِفَتْحِ) الْقَافِ وَسُكُونِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ الْأَكْلُ بِأَطْرَافِ الْأَسْنَانِ (فَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ خُبْزِهَا) عِنْدَ الْإِمَامِ حَتَّى يَأْكُلَ عَيْنَهَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ (خِلَافًا لَهُمَا) أَيْ قَالَا كَمَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ عَيْنِهَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ خُبْزِهَا عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ أَكْلَ الْحِنْطَةِ مَجَازٌ عُرْفًا عَنْ أَكْلِ مَا يُتَّخَذُ مِنْهَا فَيَنْصَرِفُ إلَيْهِ إلَّا أَنَّهُ إذَا أَكَلَهَا قَضْمًا يَحْنَثُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ فِي مَعْنَاهَا حَقِيقَةً فَصَارَ كَمَا إذَا حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ فَدَخَلَهَا حَافِيًا أَوْ رَاكِبًا يَحْنَثُ وَإِنَّمَا قُلْنَا عَلَى الصَّحِيحِ احْتِرَازًا عَنْ رِوَايَةِ الْأَصْلِ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ عِنْدَهُمَا إذَا قَضَمَهَا وَلَهُ أَنَّ الْكَلَامَ إذَا كَانَ لَهُ حَقِيقَةٌ مُسْتَعْمَلَةٌ فَالْعَمَلُ بِهَا أَوْلَى مِنْ الْمَجَازِ الْمُتَعَارَفِ فَصَارَ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ الشَّاةِ فَأَكَلَ لَبَنَهَا لَا يَحْنَثُ هَذَا إذَا لَمْ يَنْوِ شَيْئًا وَإِنْ نَوَى أَنْ لَا يَأْكُلَ حَبًّا حَبًّا يَحْنَثُ بِأَكْلِهَا حَبًّا حَبًّا وَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ حَيِّزِهَا اتِّفَاقًا وَلَوْ أَكَلَ مِنْ زَرْعِ الْبُرِّ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ لَمْ يَحْنَثْ كَمَا فِي الْمُحِيطِ.
(وَفِي) حَلِفِهِ (لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذَا الدَّقِيقِ يَحْنَثُ) أَكَلَ (خُبْزَهُ) فَلَوْ أَكَلَ عَصِيدَتَهُ يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تُؤْكَلُ، كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ أَكْلَ الدَّقِيقِ هَكَذَا يَكُونُ عِنْدَ الْعُقَلَاءِ فَيَنْصَرِفُ إلَى مَا هُوَ الْمُعْتَادُ بَيْنَهُمْ كَمَا فِي الْمُحِيطِ، وَالْإِفْرَادُ بِذِكْرِ الْخُبْزِ مِنْ الْمُصَنِّفِ لَيْسَ لِنَفْيِ مَا يُتَّخَذُ مِنْهُ، بَلْ لِكَوْنِهِ كَثِيرَ الِاسْتِعْمَالِ أَوْرَدَهُ عَلَى سَبِيلِ التَّمْثِيلِ غَايَتُهُ أَنَّهُ صَرَّحَ بِالْخُبْزِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْأَصْلُ، وَالْغَيْرُ تَبَعٌ لَهُ يُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ مُتَّصِلًا بِهِ (لَا بِسَفِّهِ) أَيْ لَا يَحْنَثُ بِسَفِّ عَيْنِ الدَّقِيقِ؛ لِأَنَّ عَيْنَهُ غَيْرُ مَأْكُولٍ بِخِلَافِ الْحِنْطَةِ فَانْصَرَفَ إلَى مَا يُتَّخَذُ مِنْهُ لِتَعَيُّنِ الْمَجَازِ مُرَادًا كَمَا لَوْ أَكَلَ عَيْنَ النُّخَالَةِ كَمَا مَرَّ (فِي الصَّحِيحِ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ بَعْضِ الْمَشَايِخِ أَنَّهُ يَحْنَثُ بِالسَّفِّ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ؛ لِأَنَّهُ أَكَلَ الدَّقِيقَ حَقِيقَةً، وَالْعُرْفُ وَإِنْ اُعْتُبِرَ فَالْحَقِيقَةُ لَا تَسْقُطُ بِهِ وَإِنْ عَنَى أَكْلَ الدَّقِيقِ بِعَيْنِهِ لَمْ يَخْنَثْ بِأَكْلِ الْخُبْزِ؛ لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ (وَالْخُبْزُ يَقَعُ عَلَى مَا اعْتَادَهُ أَهْلُ مِصْرِهِ) أَيْ مِصْرِ الْحَالِف إلَّا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ فَإِنَّهُ أَيُّ خُبْزٍ كَانَ يَحْنَثُ بِأَكْلِهِ (كَخُبْزِ الْبُرِّ، وَالشَّعِيرِ) فَإِذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ خُبْزًا حَنِثَ بِأَكْلِ خُبْزِ الْبُرِّ، وَالشَّعِيرِ بِبِلَادٍ يُعْتَادُ فَلَوْ كَانَ بِمَوْضِعٍ لَا يُعْتَادُ فِيهِ خُبْزُ الشَّعِيرِ مَثَلًا لَمْ يَحْنَثْ بِأَكْلِهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (فَلَا يَحْنَثُ بِخُبْزِ الْقَطَائِفِ)؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى خُبْزًا مُطْلَقًا (أَوْ خُبْزِ الْأُرْزِ بِالْعِرَاقِ)؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُعْتَادٍ عِنْدَهُمْ حَتَّى لَوْ كَانَ فِي بَلَدٍ يَعْتَادُ ذَلِكَ كَطَبَرِسْتَانَ حَنِثَ وَيَحْنَثُ الْحِجَازِيُّ، وَالْيَمَنِيُّ بِخُبْزِ الذَّرَّةِ؛ لِأَنَّهُمْ يَعْتَادُونَهُ (إلَّا إذَا نَوَاهُ) فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَحْنَثُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُهُ.
وَفِي الْبَحْرِ وَدَخَلَ فِي الْخُبْزِ الْكَمَاجُ وَلَا يَحْنَثُ بِالثَّرِيدِ.
وَفِي الْخُلَاصَةِ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذَا الْخُبْزِ فَأَكَلَهُ بَعْدَمَا تَفَتَّتَ لَا يَحْنَثُ وَلَا يَحْنَثُ بِالْعَصِيدَةِ، وَالطَّطْمَاجِ وَلَا يَحْنَثُ لَوْ دَقَّهُ فَشَرِبَهُ وَعَنْ الْإِمَامِ فِي حِيلَةِ أَكْلِهِ أَنْ يَدُقَّهُ فَيُلْقِيَهُ فِي عَصِيدَةٍ وَيُطْبَخُ حَتَّى يَصِيرَ الْخُبْزُ هَالِكًا.
وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ خُبْزَ فُلَانَةَ فَالْخَبَّازَةُ هِيَ الَّتِي تَضْرِبُ الْخُبْزَ فِي التَّنُّورِ دُونَ الَّتِي تَعْجِنُهُ وَتُهَيِّئُهُ لِلضَّرْبِ فَإِنْ أَكَلَ مِنْ خُبْزِ الَّتِي ضَرَبَتْهُ حَنِثَ وَإِلَّا فَلَا (وَالشِّوَاءُ) يَقَعُ (عَلَى اللَّحْمِ لَا عَلَى الْبَاذِنْجَانِ أَوْ الْجَزَرِ أَوْ الْبِيضِ)؛ لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ اللَّحْمُ الْمَشْوِيُّ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ (إلَّا إذَا نَوَاهُ)؛ لِأَنَّ فِيهِ تَشْدِيدًا عَلَى نَفْسِهِ (وَالطَّبْخُ) يَقَعُ (عَلَى مَا يُطْبَخُ مِنْ اللَّحْمِ بِالْمَاءِ)، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ اعْتِبَارًا لِلْعُرْفِ، وَالْقِيَاسُ أَنْ يَحْنَثَ فِي اللَّحْمِ وَغَيْرِهِ مِمَّا هُوَ مَطْبُوخٌ لَكِنَّ الْأَخْذَ بِالْقِيَاسِ مُتَعَذِّرٌ إذْ الْمُسَهَّلُ مِنْ الدَّوَاءِ مَطْبُوخٌ فَيُصْرَفُ إلَى خَاصٍّ، وَهُوَ مُتَعَارَفٌ، وَهُوَ اللَّحْمُ الْمَطْبُوخُ بِالْمَاءِ (وَعَلَى مَرَقِهِ) لِمَا فِيهِ مِنْ أَجْزَاءِ اللَّحْمِ وَلِأَنَّهُ يُسَمَّى طَبْخًا فَلَمْ يَحْنَثْ بِأَكْلِ قَلْبَةٍ يَابِسَةٍ لَا مَرَقَ فِيهَا.
وَفِي الزَّاهِدِيِّ قُلْت هَذَا فِي عُرْفِهِمْ أَمَّا فِي عُرْفِنَا يَحْنَثُ لِكُلِّ مَطْبُوخٍ.
وَقَالَ يَعْقُوبُ بَاشَا يَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ بِطَبْخٍ بِلَا لَحْمٍ فِي هَذَا الزَّمَانِ لِإِطْلَاقِهِمْ عَلَيْهِ طَبْخًا عُرْفًا تَأَمَّلْ (إلَّا إذَا نَوَى غَيْرَ ذَلِكَ) وَعَنْ ابْنِ سِمَاعَةَ الطَّبِيخُ يَكُونُ مَعَ الشَّحْمِ فَإِنْ طَبَخَ عَدَسًا أَوْ أُرْزًا بِوَدَكٍ فَهُوَ طَبْخٌ وَإِنْ كَانَ بِسَمْنٍ أَوْ زَيْتٍ فَلَيْسَ بِطَبِيخٍ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ طَبِيخَ فُلَانٍ فَطَبَخَ هُوَ وَآخَرُ وَأَكَلَ الْحَالِفُ مِنْهُ حَنِثَ؛ لِأَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنْهُ يُسَمَّى طَبِيخًا وَكَذَا مِنْ خُبْزِ فُلَانٍ فَخَبَزَ، هُوَ وَآخَرُ وَكَذَا مِنْ رُمَّانٍ اشْتَرَاهُ فُلَانٌ فَاشْتَرَاهُ، هُوَ وَآخَرُ وَكَذَا لَا يَلْبَسُ مِنْ نَسْجِ فُلَانٍ فَنَسَجَ هُوَ وَآخَرُ وَلَوْ قَالَ مِنْ قِدْرٍ طَبَخَهَا فُلَانٌ فَأَكَلَ مَا طَبَخَاهُ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ أَكْلَ جُزْءٍ مِنْ الْقَدْرِ لَيْسَ بِقَدْرٍ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا مِنْ غَزْلِ فُلَانَةَ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُهُ مِنْ غَزْلِهَا حَتَّى لَوْ كَانَ فِيهِ جُزْءٌ مِنْ أَلْفِ جُزْءٍ مِنْ غَزْلِ غَيْرِهَا لَمْ يَحْنَثْ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ (وَالرَّأْسُ عَلَى مَا يُبَاعُ فِي مِصْرِهِ) أَيْ مِصْرِ الْحَالِفِ (وَيُكْبَسُ) أَيْ يَدْخُلُ (فِي التَّنَانِيرِ) جَمْعُ تَنُّورٍ فَيَحْنَثُ بِأَكْلِ رَأْسِ الْغَنَمِ، وَالْبَقَرِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَبِأَكْلِ رَأْسِ الْغَنَمِ خَاصَّةً، وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ فِي زَمَانِنَا الْعَادَةُ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ فَعَلَى هَذَا أَنَّ مَا فِي التَّبْيِينِ مِنْ أَنَّ الْأَصْلَ اعْتِبَارُ الْحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّةِ إنْ أَمْكَنَ الْعَمَلُ بِهَا وَإِلَّا فَالْعُرْفُ مَرْدُودٌ؛ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ إنَّمَا هُوَ الْعُرْفُ وَتَقَدُّمُ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ، وَالْآدَمِيِّ.
وَفِي الْبَحْرِ وَلَوْ كَانَ هَذَا الْأَصْلُ الْمَذْكُورُ مَنْظُورًا إلَيْهِ لَمَا تَجَاسَرَ أَحَدٌ عَلَى خِلَافِهِ فِي الْفُرُوعِ وَبِمَا ذَكَرْنَاهُ انْدَفَعَ مَا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ مِنْ أَنَّهُ فِي الْأَكْلِ يَقَعُ عَلَى الْكُلِّ إذْ كُلُّ مَا يُسَمَّى رَأْسًا وَفِي الشِّوَاءِ يَقَعُ عَلَى رَأْسِ الْبَقَرِ، وَالْغَنَمِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا عَلَى الْغَنَمِ خَاصَّةً وَلَا يَقَعُ عَلَى رَأْسِ الْإِبِلِ إجْمَاعًا انْتَهَى.
(وَ) تَقَعُ (الْفَاكِهَةُ عَلَى التُّفَّاحِ، وَالْبِطِّيخِ، وَالْمِشْمِشِ)، وَالتِّينِ، وَالْخَوْخِ، وَالسَّفَرْجَلِ، وَالْإِجَّاصِ، وَالْكُمَّثْرَى، وَالْجَوْزِ، وَاللَّوْزِ، وَالْفُسْتُقِ، وَالْعُنَّابِ لَا الْعِنَبِ، وَالرُّطَبِ، وَالرُّمَّانِ إلَّا بِالنِّيَّةِ عِنْدَ الْإِمَامِ (وَعِنْدَهُمَا)، وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ تَقَعُ (عَلَى الْعِنَبِ، وَالرُّطَبِ، وَالرُّمَّانِ أَيْضًا) أَيْ كَمَا تَقَعُ عَلَى الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ (وَلَا تَقَعُ عَلَى الْقِثَّاءِ، وَالْخِيَارِ اتِّفَاقًا)؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ الْبُقُولِ وَكَذَا الْبَاقِلَاءُ، وَالسِّمْسِمُ، وَالْجَزَرُ.
وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ أَنَّ الْيَابِسَ مِنْهَا كَالزَّبِيبِ، وَالتَّمْرِ وَحَبِّ الرُّمَّانِ لَيْسَتْ بِفَاكِهَةٍ.
وَفِي الْمُحِيطِ الْيَابِسُ مِنْ الْأَثْمَارِ فَاكِهَةٌ إلَّا الْبِطِّيخَ وَإِلَيْهِ مَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَذَكَرَ فِي الْكَشْفِ الْكَبِيرِ أَنَّ هَذَا اخْتِلَافُ عَصْرٍ وَزَمَانٍ فَالْإِمَامُ أَفْتَى عَلَى حَسَبِ عُرْفِهِ وَتَغَيُّرُ الْعُرْفِ فِي زَمَانِهِمَا وَفِي عُرْفِنَا يَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ بِالِاتِّفَاقِ.
وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ، وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا.
وَفِي الْمُحِيطِ أَنَّ الْعِبْرَةَ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ الْعُرْفُ فَمَا يُؤْكَلُ عَلَى سَبِيلِ التَّفَكُّهِ عَادَةً وَيُعَدُّ فَاكِهَةً فِي الْعُرْفِ يَدْخُلُ تَحْتَ الْيَمِينِ وَمَا لَا فَلَا.
(وَ) يَقَعُ (الْإِدَامُ عَلَى مَا يُصْطَبَغُ بِهِ) عَلَى بِنَاءِ الْمَفْعُولِ أَيُّ شَيْءٍ يُخْتَبَطُ بِهِ الْخُبْزُ وَذَلِكَ بِالْمَائِعِ دُونَ غَيْرِهِ (كَالْخَلِّ، وَالزَّيْتِ، وَاللَّبَنِ)، وَالْعَسَلِ، وَالدِّبْسِ (وَكَذَا الْمِلْحُ) فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ لَا يُؤْكَلُ وَحْدَهُ عَادَةً لَكِنَّهُ يَذُوبُ فِي الْفَمِ فَيَحْصُلُ الِاخْتِلَاطُ فِي الْخُبْزِ (لَا اللَّحْمُ، وَالْبِيضُ، وَالْجُبْنُ إلَّا بِالنِّيَّةِ) عِنْدَ الْإِمَامِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهَا تُفْرَدُ بِالْأَكْلِ وَمَا أَمْكَنَ أَفْرَادُهُ بِالْأَكْلِ لَيْسَ بِإِدَامٍ وَإِنْ أُكِلَ مَعَ الْخُبْزِ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ)، وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ (هِيَ) أَيْ اللَّحْمُ، وَالْبِيضُ، وَالْجُبْنُ (إدَامٌ أَيْضًا) أَيْ كَالْخَلِّ، وَالزَّيْتِ، وَاللَّبَنِ، وَالْمِلْحِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَبِهِ أَخَذَ أَبُو اللَّيْثِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى؛ لِأَنَّ مَبْنَاهَا الْعُرْفُ كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَالتَّنْوِيرِ فَعَلَى هَذَا لَوْ قَدَّمَهُ لَكَانَ أَوْلَى تَأَمَّلْ (وَالْعِنَبُ، وَالْبِطِّيخُ لَيْسَا بِإِدَامٍ فِي الصَّحِيحِ) يَعْنِي بِالِاتِّفَاقِ كَمَا ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ.
وَفِي الْعِنَايَةِ هُوَ الصَّحِيحُ وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا أَنَّهُ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ.
وَفِي الْمُحِيطِ قَالَ مُحَمَّدٌ التَّمْرُ، وَالْجَوْزُ لَيْسَ بِإِدَامٍ؛ لِأَنَّهُ يُفْرَدُ بِالْأَكْلِ فِي الْغَالِبِ وَكَذَا الْعِنَبُ، وَالْبِطِّيخُ، وَالْبَقْلُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ تَبَعًا لِلْخُبْزِ، بَلْ يُؤْكَلُ وَحْدَهُ غَالِبًا وَكَذَا سَائِرُ الْفَوَاكِهِ حَتَّى لَوْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ يُؤْكَلُ تَبَعًا لِلْخُبْزِ غَالِبًا يَكُونُ إدَامًا عِنْدَهُ اعْتِبَارًا لِلْعُرْفِ، وَهُوَ الْأَصْلُ فِي هَذَا الْبَابِ (وَالْغَدَاءُ)، وَالْأَوْلَى التَّغَدِّي؛ لِأَنَّ الْغَدَاءَ حَقِيقَةٌ بِالْفَتْحِ، وَالْمَدَاسِمُ.
لِمَا يُؤْكَلُ فِي الْوَقْتِ الْخَاصِّ لَا الْأَكْلُ (الْأَكْلُ) أَيْ الْمَأْكُولُ الَّذِي يُقْصَدُ بِهِ الشِّبَعُ عَادَةً فَلَوْ أَكَلَ لُقْمَةً أَوْ لُقْمَتَيْنِ لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَزِيدَ عَلَى نِصْفِ الشِّبَعِ قَالَ بَعْضُ الْأَفَاضِلِ هَذَا فِي الْغَدَاءِ، وَالْعَشَاءِ وَأَمَّا فِي السُّحُورِ يَحْنَثُ بِأَكْلِ لُقْمَةٍ أَوْ لُقْمَتَيْنِ.
وَكَذَا لَوْ شَرِبَ الْمِصْرِيُّ اللَّبَنَ (فِيمَا بَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَالزَّوَالِ) فَلَوْ حَلَفَ لَا أَتَغَدَّى فَأَكَلَ فِيمَا بَيْنَهُمَا حَنِثَ وَلَوْ أَكَلَ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ لَا وَجِنْسُ الْمَأْكُولِ مَا يَأْكُلُهُ أَهْلُ بَلَدِهِ فَلَوْ حَلَفَ لَا يَتَغَدَّى فَشَرِبَ اللَّبَنَ وَحَصَلَ بِهِ الشِّبَعُ لَا يَحْنَثُ إنْ كَانَ مِصْرِيًّا وَيَحْنَثُ إنْ بَدْوِيًّا.
وَقَالَ الْكَرْخِيُّ لَوْ أَكَلَ تَمْرًا أَوْ أُرْزًا أَوْ غَيْرَهُ حَتَّى يَشْبَعَ لَا يَحْنَثُ وَلَا يَكُونُ غَدَاءً حَتَّى يَأْكُلَ الْخُبْزَ وَكَذَا إنْ أَكَلَ لَحْمًا بِغَيْرِ خُبْزٍ اعْتِبَارًا لِلْعُرْفِ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ (وَالْعَشَاءُ)، وَالْأَوْلَى التَّعَشِّي؛ لِأَنَّ الْعَشَاءَ بِالْفَتْحِ، وَالْمَدَاسِمَ لِلْمَأْكُولِ فِي هَذَا الْوَقْتِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْغَدَاءِ.
إلَّا إذَا أَكَلَ (فِيمَا بَيْنَ الزَّوَالِ وَنِصْفِ اللَّيْلِ) فَلَوْ حَلَفَ لَا أَتَعَشَّى يُرَادُ بِهِ هَذَا.
وَقَالَ الْإِسْبِيجَابِيُّ هَذَا فِي عُرْفِهِمْ وَأَمَّا فِي عُرْفِنَا فَوَقْتُ الْعَشَاءِ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ.
وَفِي الْبَحْرِ هَذَا هُوَ الْوَاقِعُ فِي عُرْفِ دِيَارِنَا؛ لِأَنَّهُمْ يُسَمُّونَ مَا يَأْكُلُونَهُ بَعْدَ الزَّوَالِ وَسْطَانِيَّةً.
(، وَالسُّحُورُ)، وَالْأَوْلَى التَّسَحُّرُ لِمَا مَرَّ، وَهُوَ الْأَكْلُ (فِيمَا بَيْنَ نِصْفِ اللَّيْلِ وَطُلُوعِ الْفَجْرِ) فَلَوْ حَلَفَ لَا أَتَسَحَّرُ يُرَادُ بِهِ هَذَا، وَالتَّصَبُّحُ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى ارْتِفَاعِ الضُّحَى (وَفِي إنْ أَكَلْت أَوْ شَرِبْت أَوْ لَبِسْت أَوْ كَلَّمْت أَوْ تَزَوَّجْت أَوْ خَرَجْت) فَعَبْدِي حُرٌّ مَثَلًا وَلَمْ يَذْكُرْ مَفْعُولَهُ (وَنَوَى) أَمْرًا (مُعَيَّنًا) بِأَنْ قَالَ نَوَيْت الْخُبْزَ أَوْ اللَّحْمَ أَوْ نَحْوَهُ مَثَلًا (لَا يَصَّدَّقُ) أَصْلًا لَا قَضَاءً وَلَا دِيَانَةً؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ إنَّمَا تَصِحُّ فِي الْمَلْفُوظِ؛ لِأَنَّ الْخُبْزَ وَمَا يُضَاهِيهِ غَيْرُ مَذْكُورٍ تَنْصِيصًا، وَالْمُقْتَضَى لَا عُمُومَ لَهُ فَلَغَتْ نِيَّةُ التَّخْصِيصِ فَحَنِثَ بِأَيِّ شَيْءٍ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ أَوْ لَبِسَ أَوْ غَيْرُهُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُصَدَّقُ دِيَانَةً؛ لِأَنَّ لِلْمُقْتَضَى عُمُومًا عِنْدَهُ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَبِهِ أَخَذَ الْخَصَّافُ.
وَفِي الْفَتْحِ كَلَامٌ فَلْيُطَالَعْ (وَلَوْ زَادَ طَعَامًا) فِي إنْ أَكَلْت (أَوْ شَرَابًا) فِي إنْ شَرِبْت (وَنَحْوُهُ صُدِّقَ دِيَانَةً لَا قَضَاءً)؛ لِأَنَّهُ نَكِرَةٌ فِي حَيِّزِ الشَّرْطِ فَتَعُمُّ كَمَا تَعُمُّ فِي النَّفْيِ لَكِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَلَا يُصَدِّقُهُ الْقَاضِي وَعَلَى هَذَا إنْ اغْتَسَلَ وَنَوَى تَخْصِيصَ الْفَاعِلِ أَوْ الْمَكَانَ أَوْ السَّبَبَ بِدُونِ ذِكْرِهِ لَا يُصَدَّقُ.
وَفِي الْفَتْحِ لَوْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ امْرَأَةً وَنَوَى كُوفِيَّةً لَا تَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ تَخْصِيصُ الْجِنْسِ وَلَوْ نَوَى حَبَشِيَّةً أَوْ عَرَبِيَّةً صَحَّتْ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ تَخْصِيصُ الْجِنْسِ.
(وَفِي) حَلِفِهِ (لَا يَشْرَبُ مِنْ دِجْلَةَ لَا يَحْنَثُ بِشُرْبِهِ مِنْهَا بِإِنَاءٍ مَا لَمْ يَكْرَعْ) إلَّا إذَا نَوَى الِاغْتِرَافَ صُدِّقَ دِيَانَةً، وَالْكَرْعُ تَنَاوُلُ الْمَاءِ مِنْ مَوْضِعِهِ بِفِيهِ لَا بِالْكَفِّ، وَالْإِنَاءِ فَلَوْ مَدَّ عُنُقَهُ نَحْوَهُ وَشَرِبَ بِفِيهِ حَنِثَ، وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ (خِلَافًا لَهُمَا) فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِشُرْبِهِ مِنْهَا بِإِنَاءٍ عِنْدَهُمَا، وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَعَارَفُ يُقَالُ شَرِبَ أَهْلُ بَغْدَادَ مِنْ دِجْلَةَ، وَالْمُرَادُ الشُّرْبُ بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ وَلَهُ أَنَّ حَقِيقَةَ الشُّرْبِ مِنْ دِجْلَةَ بِالْكَرْعِ وَهِيَ مُسْتَعْمَلَةٌ فَمَنَعَتْ الْمَصِيرَ إلَى الْمَجَازِ وَإِنْ كَانَ مُتَعَارَفًا، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْكَلَامَ إذَا كَانَ لَهُ حَقِيقَةٌ مُسْتَعْمَلَةٌ وَمَجَازٌ مُتَعَارَفٌ فَالْعَمَلُ بِالْحَقِيقَةِ أَوْلَى عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا الْعَمَلُ بِعُمُومِ الْمَجَازِ أَوْلَى وَفِي الْمُجْتَبَى وَلِجِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَصْلٌ حَسَنٌ، وَهُوَ أَنَّهُ مَتَى عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى شَيْءٍ لَيْسَ حَقِيقَةً مُسْتَعْمَلَةً وَلَهُ مَجَازٌ مُتَعَارَفٌ يُحْمَلُ عَلَى الْمَجَازِ إجْمَاعًا كَمَا إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ النَّخْلَةِ وَإِنْ كَانَتْ لَهُ حَقِيقَةٌ مُسْتَعْمَلَةٌ يُحْمَلُ عَلَى الْحَقِيقَةِ إجْمَاعًا كَمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا وَإِنْ كَانَتْ لَهُ حَقِيقَةٌ مُسْتَعْمَلَةٌ وَمَجَازٌ مُتَعَارَفٌ فَعِنْدَهُ يُحْمَلُ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَعِنْدَهُمَا يُحْمَلُ عَلَيْهِمَا لَا بِطَرِيقِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ، وَالْمَجَازِ وَلَكِنْ بِمَجَازٍ يَعُمُّ أَفْرَادَهُمَا، وَهُوَ الْأَصَحُّ.
(وَإِنْ قَالَ) لَا يَشْرَبُ (مِنْ مَاءِ دِجْلَةَ حَنِثَ بِالْإِنَاءِ اتِّفَاقًا)؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ عُقِدَتْ عَلَى الْمَاءِ دُونَ النَّهْرِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ إذَا شَرِبَ مِنْ فَوْقِ رَأْسِهِ الْمَاءَ حَنِثَ وَإِلَى أَنَّهُ حَلَفَ عَلَى نَهْرٍ بِعَيْنِهِ فَشَرِبَ مِنْ نَهْرٍ أَخَذَ مِنْهُ كَرْعًا أَوْ اعْتِرَافًا لَمْ يَحْنَثْ وَلَوْ حَلَفَ مِنْ مَاءِ هَذَا النَّهْرِ فَشَرِبَ مِنْ نَهْرٍ أَخَذَ مِنْهُ حَنِثَ.
وَفِي الشُّمُنِّيِّ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مَاءً فُرَاتًا أَوْ مِنْ مَاءٍ فُرَاتٍ يَحْنَثُ بِكُلِّ مَاءٍ عَذْبٍ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ.
(وَكَذَا فِي الْجُبِّ، وَالْبِئْرِ) أَيْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ هَذَا الْجُبِّ أَوْ مِنْ هَذِهِ الْبِئْرِ يَحْنَثُ بِشُرْبِهِ بِالْإِنَاءِ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ فِيهِ الْكَرْعُ فَتَعَيَّنَ الْمَجَازُ وَإِنْ كَانَ يُمْكِنُ الْكَرْعُ فَعَلَى الْخِلَافِ وَلَوْ تَكَلَّفَ فَشَرِبَ بِالْكَرْعِ فِيمَا لَا يُمْكِنُ الْكَرْعُ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ، وَالْمَجَازَ لَا يَجْتَمِعَانِ.
وَفِي الِاخْتِيَارِ هَذَا فِي الْبِئْرِ وَأَمَّا فِي الْحُبِّ إنْ كَانَ مَلْآنًا يُمْكِنُ الشُّرْبُ مِنْهُ لَا يَحْنَثُ إلَّا بِالْكَرْعِ عِنْدَهُ كَمَا فِي النَّهْرِ (وَفِي الْإِنَاءِ بِعَيْنِهِ) أَيْ لَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ هَذَا الْإِنَاءِ فَهُوَ عَلَى الشُّرْبِ بِعَيْنِهِ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَعَارَفُ فِيهِ (وَإِمْكَانُ الْبِرِّ) وَرَجَاءُ الصِّدْقِ عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ (شَرْطُ صِحَّةِ) انْعِقَادِ (الْحَلِفِ) الْمُطْلَقِ، وَالْمُقَيَّدِ سَوَاءٌ كَانَ قَسَمًا أَوْ غَيْرَهُ (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) فَإِنَّ الْيَمِينَ عَقْدٌ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ مَحَلٍّ وَمَحَلُّهُ عِنْدَهُ خَبَرٌ فِي الْمُسْتَقْبَلِ سَوَاءٌ كَانَ الْحَالِفُ قَادِرًا عَلَيْهِ أَوْ لَا كَمَسْأَلَةِ مَسِّ السَّمَاءِ وَعِنْدَهُمَا مَحَلُّ الْيَمِينِ خَبَرٌ فِي رَجَاءِ الصِّدْقِ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ الشَّيْءِ مَا يَكُونُ قَابِلًا لِحُكْمِهِ وَحُكْمُ الْيَمِينِ الْبِرُّ وَلَا يَخْفَى أَنَّ أَوَائِلَ الْكِتَابِ أَوْلَى بِهَذَا الْأَصْلِ.
(فَمَنْ حَلَفَ) بِاَللَّهِ (لَيَشْرَبَن مَاءَ هَذَا الْكُوزِ الْيَوْمَ) أَوْ أَنْ أَشْرَبَهُ الْيَوْمَ فَعَبْدِي حُرٌّ مَثَلًا (وَلَا مَاءَ فِيهِ) سَوَاءٌ عَلِمَ بِهِ أَوْ لَا كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ وَيُؤَيِّدُهُ إطْلَاقُهُ لَكِنَّ الْإِسْبِيجَابِيَّ قَيَّدَهُ بِعَدَمِ عِلْمِهِ بِأَنْ لَا مَاءَ فِيهِ وَأَمَّا إذَا عَلِمَ بِأَنْ لَا مَاءَ فِيهِ يَحْنَثُ بِالِاتِّفَاقِ لِتَحَقُّقِ الْعَدَمِ (أَوْ) قَدْ (كَانَ) فِيهِ (فَصُبَّ) أَوْ شَرِبَ غَيْرَهُ أَوْ مَاتَ (قَبْلَ مُضِيِّهِ) أَيْ مُضِيِّ الْيَوْمِ (لَا يَحْنَثُ) عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْكُوزِ مَاءٌ فَالْبِرُّ غَيْرُ مُمْكِنٍ سَوَاءٌ ذَكَرَ الْيَوْمَ أَوْ لَا وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَاءٌ فَإِنْ ذَكَرَ الْيَوْمَ فَالْبِرُّ إنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِي الْجُزْءِ الْأَخِيرِ مِنْ الْيَوْمِ فَإِذَا صُبَّ لَمْ يَكُنْ الْبِرُّ مُتَصَوَّرًا فَلَا تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ.
(خِلَافًا لَهُ) أَيْ فَيَحْنَثُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فِي الصُّورَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ انْعَقَدَتْ لَكِنَّهُ يَعْجَزُ فِي الْأُولَى وَلَمْ تَنْحَلَّ فِي الثَّانِيَةِ بِالْهَلَاكِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ لَوْ تَلِفَ بِلَا اخْتِيَارِهِ لَا يَحْنَثُ.
(وَكَذَا) أَيْ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ (إنْ) أَطْلَقَ الْيَمِينَ وَ (لَمْ يَقُلْ الْمَاءَ) وَلَا مَاءَ فِيهِ (إلَّا إنْ كَانَ) فِيهِ مَاءٌ (فَصُبَّ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِالِاتِّفَاقِ) أَمَّا عِنْدَهُ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا عِنْدَهُمَا؛ فَلِأَنَّ الْبِرَّ يَجِبُ عَلَيْهِ كَمَا فَرَغَ مِنْ الْيَمِينِ لَكِنْ مُوَسَّعًا بِشَرْطِ أَنْ لَا يَفُوتَهُ فِي مُدَّةِ عُمْرِهِ، وَالْبِرُّ مُتَصَوَّرٌ عِنْدَ الْفَرَاغِ فَانْعَقَدَتْ الْيَمِينُ إلَّا أَنَّ أَبَا يُوسُفَ يَقُولُ إنَّ الْحِنْثَ فِي الْمُطْلَقِ فِي الْحَالِ وَفِي الْوَقْتِ بَعْدَ مُضِيِّ الْوَقْتِ وَمِنْ فُرُوعٌ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَا ذَكَرَهُ التُّمُرْتَاشِيُّ، وَهُوَ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ لَمْ تَهَبِي مَهْرَك الْيَوْم لِي فَأَنْتِ طَالِقٌ وَقَالَ أَبُوهَا إنْ وَهَبْت مَهْرَك لِزَوْجِك فَأُمُّك طَالِقٌ فَالْحِيلَةُ فِي عَدَمِ حِنْثِهِمَا أَنْ تَشْتَرِيَ مِنْهُ بِمَهْرِهَا مَلْفُوفًا وَتَقْبِضَهُ فَإِذَا مَضَى الْيَوْمُ لَمْ يَحْنَثْ الْأَبُ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَهَبْ وَلَمْ يَحْنَثْ الزَّوْجُ؛ لِأَنَّهَا عَجَزَتْ عَنْ الْهِبَةِ عِنْدَ الْغُرُوبِ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ سَقَطَ عَنْ الزَّوْجِ بِالْبَيْعِ.
(وَفِي) حَلِفِهِ (لَيَصْعَدَنَّ) أَوْ لَيَمَسَّنَّ (السَّمَاءَ أَوْ لَيَطِيرَنَّ فِي الْهَوَاءِ أَوْ لَيَقْلِبَنَّ هَذَا الْحَجَرَ ذَهَبًا أَوْ لَيَقْتُلَنَّ زَيْدًا) حَالَ كَوْنِ الْحَالِ (عَالِمًا بِمَوْتِهِ) أَيْ مَوْتِ زَيْدٍ (انْعَقَدَتْ) الْيَمِينُ لِإِمْكَانِ أَنْ يَخْلُقَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْأَفْعَالَ فِي حَقِّهِ كَمَا فِي حَقِّ بَعْضِ الْأَوْلِيَاءِ.
وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ لَا تَنْعَقِدُ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَحِيلٌ عَادَةً فَأَشْبَهَ الْمُسْتَحِيلَ حَقِيقَةً (وَحَنِثَ لِلْحَالِ) لِلْعَجْزِ الثَّابِتِ عَادَةً بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْكُوزِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَصَوَّرْ الْبِرَّ بِخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ الْمَخْلُوقَ غَيْرُ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَغَيْرِهِ وَفِيهِ بَحْثٌ مِنْ وَجْهَيْنِ تَأَمَّلْ، وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْيَمِينُ مُطْلَقَةً وَأَمَّا إذَا كَانَتْ مُوَقَّتَةً لَا يَحْنَثُ حَتَّى يَمْضِيَ ذَلِكَ الْوَقْتُ.
وَقَالَ زُفَرُ يَحْنَثُ لِلْحَالِ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ، وَهَذَا الْقَوْلُ لَا يَسْتَقِيمُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ الِانْعِقَادَ عَلَى مَا ذُكِرَ آنِفًا إلَّا إذَا حُمِلَ عَلَى أَنَّ لَهُ رِوَايَةً أُخْرَى انْتَهَى لَكِنْ يُمْكِنُ التَّوْجِيهُ بِوَجْهٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ جَوَابَهُ فِي الْمُوَقَّتِ خِلَافُ الْجَوَابِ فِي الْمُطْلَقِ تَأَمَّلْ، قُيِّدَ بِالْفِعْلِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ عَلَى التَّرْكِ بِأَنْ قَالَ إنْ تَرَكْت مَسَّ السَّمَاءِ فَعَبْدِي حُرٌّ مَثَلًا لَمْ يَنْعَقِدْ؛ لِأَنَّ التَّرْكَ لَا يُتَصَوَّرُ فِي غَيْرِ الْمَقْدُورِ كَمَا فِي الْبَحْرِ.
(وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِمَوْتِهِ) أَيْ مِنْ زَيْدٍ (فَلَا) يَحْنَثُ عِنْدَهُمَا إذْ حِينَئِذٍ يُرَادُ الْقَتْلُ الْمُتَعَارَفُ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ بِخِلَافِ مَا إذَا عَلِمَ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يُرَادُ قَتْلُهُ بَعْدَ إحْيَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ مُمْكِنٌ (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ)؛ لِأَنَّ إمْكَانَ الْبِرِّ لَيْسَ شَرْطًا لِانْعِقَادِ الْيَمِينِ عِنْدَهُ.
(وَفِي) حَلِفِهِ (لَا يَتَكَلَّمُ فَقَرَأَ الْقُرْآنَ أَوْ سَبَّحَ أَوْ هَلَّلَ) أَوْ كَبَّرَ (لَا يَحْنَثُ سَوَاءٌ) كَانَ (فِي الصَّلَاةِ أَوْ خَارِجَهَا هُوَ الْمُخْتَارُ) اخْتَارَهُ خُوَاهَرْ زَادَهْ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى مُتَكَلِّمًا عُرْفًا وَشَرْعًا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَحْنَثُ، وَهُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّهُ كَلَامٌ حَقِيقَةً كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ وَجَعَلَ صَاحِبُ الْكَافِي قَوْلُ الشَّافِعِيِّ كَقَوْلِ خُوَاهَرْ زَادَهْ وَاخْتَارَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ أَنَّهُ إذَا قَرَأَ فِي الصَّلَاةِ لَا يَحْنَثُ وَفِي خَارِجِهَا يَحْنَثُ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ.
وَفِي الْكَافِي قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ إنْ عَقَدَ يَمِينَهُ بِالْفَارِسِيَّةِ لَا يَحْنَثُ بِالْقِرَاءَةِ أَوْ التَّسْبِيحِ خَارِجَ الصَّلَاةِ أَيْضًا لِلْعُرْفِ فَإِنَّهُ يُسَمَّى قَارِئًا مُسَبِّحًا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَفِي الْبَحْرِ أَنَّ الْمُخْتَارَ لِلْفَتْوَى أَنَّ الْيَمِينَ إنْ كَانَتْ بِالْعَرَبِيَّةِ لَمْ يَحْنَثْ بِالْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ وَيَحْنَثُ بِالْقِرَاءَةِ خَارِجَهَا وَإِنْ كَانَتْ بِالْفَارِسِيَّةِ لَا يَحْنَثُ مُطْلَقًا.
وَفِي الْفَتْحِ أَنَّ قَوْلَ خُوَاهَرْ زَادَهْ مُخْتَارٌ لِلْفَتْوَى مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ بَيْنَ عَقْدِ الْيَمِينِ بِالْعَرَبِيَّةِ أَوْ بِالْفَارِسِيَّةِ.
وَفِي الْمِنَحِ فَقَدْ اخْتَلَفَ الْفَتْوَى، وَالْإِفْتَاءُ بِظَاهِرِ الْمَذْهَبِ أَوْلَى انْتَهَى لَكِنَّ الْأَوْلَوِيَّةَ غَيْرُ ظَاهِرَةٍ لِمَا أَنَّ مَبْنَى الْأَيْمَانِ عَلَى الْعُرْفِ الْمُتَأَخِّرِ وَلَمَا عَلِمْت مِنْ أَكْثَرِيَّةِ التَّصْحِيحِ لَهُ وَنَقَلَ عَنْ تَهْذِيبِ الْقَلَانِسِيِّ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِقِرَاءَةِ الْكُتُبِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا فِي عُرْفِنَا تَأَمَّلْ.
(وَفِي) حَلِفِهِ (لَا يُكَلِّمُهُ فَكَلَّمَهُ بِحَيْثُ يَسْمَعُ) نَفْسَهُ (وَهُوَ) أَيْ، وَالْحَالُ أَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ (نَائِمٌ حَنِثَ إنْ أَيْقَظَهُ)، وَهُوَ رِوَايَةُ الْمَبْسُوطِ وَعَلَيْهِ مَشَايِخُنَا، وَهُوَ الْمُخْتَارُ.
وَفِي التُّحْفَةِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْتَبِهْ كَانَ كَمَا إذَا نَادَاهُ مِنْ بَعِيدٍ، وَهُوَ بِحَيْثُ لَا يَسْمَعُ صَوْتَهُ (وَقِيلَ) حَنِثَ (مُطْلَقًا) سَوَاءٌ أَيْقَظَهُ أَوْ لَمْ يُوقِظْهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ كَلَّمَهُ وَوَصَلَ إلَى سَمْعِهِ لَكِنَّهُ لَمْ يَفْهَمْ لِنَوْمِهِ كَمَا إذَا نَادَاهُ، وَهُوَ بِحَيْثُ يَسْمَعُ لَكِنَّهُ لَمْ يَفْهَمْ لِتَغَافُلِهِ وَإِلَيْهِ مَالَ الْقُدُورِيُّ وَصَحَّحَهُ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ.
وَفِي الذَّخِيرَةِ لَا يَحْنَثُ حَتَّى يُكَلِّمَهُ بِكَلَامٍ مُسْتَأْنَفٍ بَعْدَ الْيَمِينِ مُنْقَطِعٍ عَنْهَا لَا مُتَّصِلٍ بِهَا فَلَوْ قَالَ مُوصِلًا إنْ كَلَّمْتُك فَكَذَا فَاذْهَبِي أَوْ اُخْرُجِي أَوْ شَتَمَهَا مُتَّصِلًا لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ مِنْ تَمَامِ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ فَلَا يَكُونُ مُرَادًا بِالْيَمِينِ وَلَوْ كَتَبَ إلَيْهِ كِتَابًا أَوْ أَرْسَلَ إلَيْهِ رَسُولًا لَا يَحْنَثُ كَمَا فِي الشُّمُنِّيِّ.
(وَلَوْ كَلَّمَ غَيْرَهُ) بَعْدَمَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ (وَقَصَدَ سَمَاعَهُ لَا يَحْنَثُ)؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُكَلِّمْهُ حَقِيقَةً.
(وَلَوْ سَلَّمَ عَلَى جَمَاعَةٍ هُوَ فِيهِمْ حَنِثَ)؛ لِأَنَّ السَّلَامَ كَلَامٌ لِلْجَمِيعِ.
(وَإِنْ نَوَاهُمْ دُونَهُ لَا يَحْنَثْ) دِيَانَةً لِعَدَمِ الْقَصْدِ وَلَا يُصَدَّقُ قَضَاءً؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لِلْجَمَاعَةِ، وَالنِّيَّةُ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهَا الْحَاكِمُ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ فَعَلَى هَذَا لَوْ قَيَّدَهُ بِالدِّيَانَةِ لَكَانَ أَوْضَحَ.
وَفِي الِاخْتِيَارِ وَلَوْ كَانَ الْحَالِفُ إمَامًا فَسَلَّمَ، وَالْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ خَلْفَهُ لَا يَحْنَثُ بِالتَّسْلِيمَتَيْنِ وَلَوْ كَانَ الْحَالِفُ هُوَ الْمُؤْتَمُّ، فَكَذَلِكَ وَعَنْ مُحَمَّدٍ يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ خَارِجًا عَنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ بِسَلَامِهِ خِلَافًا لَهُمَا وَلَوْ سَبَّحَ بِهِ فِي الصَّلَاةِ أَوْ فَتَحَ عَلَيْهِ لَمْ يَحْنَثْ وَفِي خَارِجِهَا يَحْنَثُ وَلَوْ قَرَعَ الْبَابَ فَقَالَ مَنْ الْقَارِعُ يَحْنَثُ قَالَ أَبُو اللَّيْثِ إنْ قَالَ بِالْفَارِسِيَّةِ كيست لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِخِطَابٍ وَإِنْ قَالَ كَيْ تو يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ خِطَابٌ لَهُ هُوَ الْمُخْتَارُ.
وَفِي التَّبْيِينِ لَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ إنْ ابْتَدَأْتُك بِالْكَلَامِ فَعَبْدِي حُرٌّ فَالْتَقَيَا فَسَلَّمَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ كَلَامٌ بِصِفَةِ الْبِدَايَةِ، وَهُوَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ وَسَقَطَ الْيَمِينُ عَنْ الْحَالِفِ؛ لِأَنَّ كُلَّ كَلَامٍ يُوجَدُ مِنْ الْحَالِفِ بَعْدَ ذَلِكَ يَكُونُ بَعْدَ وُجُودِ الْكَلَامِ مِنْ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فَلَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ شَرْطَ حِنْثِهِ أَنْ يَكُونَ قَبْلَهُ وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَالِفًا أَنْ لَا يَتَكَلَّمَ صَاحِبُهُ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا لَا يَحْنَثُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَبَدًا لِمَا ذَكَرْنَا وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ كَلَّمْتُك بَعْدَ هَذَا قَبْلَ أَنْ تَتَكَلَّمِي فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ فَقَالَتْ إنْ كَلَّمْتُك قَبْلَ أَنْ تُكَلِّمَنِي فَجَمِيعُ مَا أَمْلِكُهُ حُرٌّ، ثُمَّ إنَّ الزَّوْجَ كَلَّمَهَا بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَحْنَثُ.
(وَلَوْ قَالَ) لَا أُكَلِّمُهُ (إلَّا بِإِذْنِهِ فَأَذِنَ) لَهُ (وَلَمْ يَعْلَمْ) الْمَأْذُونُ إذْنَهُ (فَكَلَّمَهُ حَنِثَ) عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ إذْ الْإِذْنُ هُوَ الْأَعْلَامُ (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) فَإِنَّهُ قَالَ لَا يَحْنَثُ لِحُصُولِ الْإِذْنِ بِدُونِ الْعِلْمِ بِهِ.
وَقَالَ نُصَيْرٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إنَّ الْإِذْنَ قَدْ وُجِدَ بِدُونِ الْعِلْمِ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْأَمْرِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ.
(وَفِي) حَلِفِهِ (لَا يُكَلِّمُهُ شَهْرًا فَهُوَ مِنْ حِينِ حَلَفَ)؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَذْكُرْ الشَّهْرَ تَتَأَبَّدُ الْيَمِينُ فَذَكَرَ الشَّهْرَ لِإِخْرَاجِ مَا وَرَاءَهُ فَبَقِيَ مَا يَلِي يَمِينَهُ دَاخِلًا بِدَلَالَةِ حَالِهِ بِخِلَافِ لَأَعْتَكِفَنَّ أَوْ لَأَصُومَنَّ شَهْرًا فَإِنَّ التَّعْيِينَ يَتَنَاوَلُ إلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ تَرَكْت الصَّوْمَ شَهْرًا فَإِنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُ مِنْ حِينِ حَلِفِهِ؛ لِأَنَّ تَرْكَهُ مُطْلَقًا يَتَنَاوَلُ الْأَبَدَ فَذَكَرَ الْوَقْتَ لِإِخْرَاجِ مَا وَرَاءَهُ فَهُوَ كَقَوْلِهِ إنْ تَرَكْت كَلَامَهُ شَهْرًا أَوْ إنْ لَمْ أُسَاكِنْهُ شَهْرًا كَمَا فِي الْمِنَحِ.
(وَ) فِي حَلِفِهِ (يَوْمَ أُكَلِّمُهُ لِمُطْلَقِ الْوَقْتِ)؛ لِأَنَّ الْيَوْمَ إذَا قُرِنَ بِفِعْلٍ لَا يَمْتَدُّ يُرَادُ بِهِ مُطْلَقُ الْوَقْتِ، وَالْكَلَامُ لَا يَمْتَدُّ، وَقَدْ مَرَّ فِي الطَّلَاقِ (وَتَصِحُّ نِيَّةُ النَّهَارِ فَقَطْ) بِالْإِجْمَاعِ دِيَانَةً وَقَضَاءً لِإِرَادَةِ الْحَقِيقَةِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ قَضَاءً؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْمَشْهُورِ (وَ) فِي حَلِفِهِ (لَيْلَةَ كَلَّمَهُ) تَقَعُ (عَلَى اللَّيْلِ فَحَسْبُ) دُونَ مُطْلَقِ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّهُ الْمُسْتَعْمَلُ فِيهِ (وَفِي) حَلِفِهِ (إنْ كَلَّمْته) أَيْ فُلَانًا (إلَى أَنْ يَقْدَمَ زَيْدٌ أَوْ) قَالَ إنْ كَلَّمْته (حَتَّى يَقْدُمَ) زَيْدٌ (أَوْ) قَالَ إنْ كَلَّمْته (إلَّا أَنْ يَأْذَنَ زَيْدٌ أَوْ) قَالَ إنْ كَلَّمْته (حَتَّى يَأْذَنَ) زَيْدٌ فَعَبْدِي حُرٌّ (فَكَلَّمَهُ قَبْلَ ذَلِكَ) أَيْ قَبْلَ قُدُومِهِ أَوْ إذْنِهِ (حَنِثَ) أَيْ عَتَقَ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا لِبَقَاءِ الْيَمِينِ وَلَوْ كَلَّمَهُ بَعْدَ الْقُدُومِ أَوْ الْإِذْنِ لَا لِانْتِهَاءِ الْيَمِينِ (وَإِنْ مَاتَ زَيْدٌ سَقَطَ الْحَلِفُ) عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ لِانْتِفَاءِ تَصَوُّرِ الْبِرِّ، وَهُوَ شَرْطُ الِانْعِقَادِ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ لِمَا تَقَدَّمَ كَمَا لَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُك حَتَّى يَأْذَنَ لِي فُلَانٌ أَوْ قَالَ لِغَرِيمِهِ وَاَللَّهِ لَا أُفَارِقُك حَتَّى تَقْضِيَنِي حَقِّي فَمَاتَ فُلَانٌ قَبْلَ الْإِذْنِ أَوْ بَرِئَ مِنْ الدَّيْنِ فَالْيَمِينُ سَاقِطَةٌ فِي قَوْلِهِمَا خِلَافًا لَهُ وَعَلَى هَذَا لَوْ حَلَفَ لِيُوَفِّيَنه الْيَوْمَ فَأَبْرَأَهُ الطَّالِبُ فَيَجِبُ أَنْ يَعْلَمَ إنْ كَلَّمَهُ مَا زَالَ وَمَا دَامَ وَمَا كَانَ غَايَةُ مُنْتَهَى الْيَمِينِ بِهَا فَإِذَا حَلَفَ لَا يَفْعَلُ كَذَا مَا دَامَ بِبُخَارَى فَخَرَجَ تَنْتَهِي الْيَمِينُ بِالْخُرُوجِ فَلَوْ عَادَ بَعْدَهُ وَفَعَلَ لَا يَحْنَثُ.
(وَفِي) حَلِفِهِ (لَا يَأْكُلُ طَعَامَ فُلَانٍ أَوْ لَا يَدْخُلُ دَارِهِ أَوْ لَا يَلْبَسُ ثَوْبَهُ أَوْ لَا يَرْكَبُ دَابَّتَهُ أَوْ لَا يُكَلِّمُ عَبْدَهُ إنْ عَيَّنَ) الطَّعَامَ، وَالدَّارَ، وَالثَّوْبَ، وَالدَّابَّةَ، وَالْعَبْدَ بِأَنْ قَالَ طَعَامُ زَيْدٍ هَذَا مَثَلًا (وَزَالَ مِلْكُهُ) عَنْهَا (وَفَعَلَ) الْحَالِفُ وَاحِدًا مِنْ هَذِهِ الْأَفْعَالِ بَعْدَ ذَلِكَ (لَا يَحْنَثُ) عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ (خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ فِي الْعَبْدِ، وَالدَّارِ) قَالَ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ الْإِشَارَةِ، وَالْإِضَافَةِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلتَّعْرِيفِ إلَّا أَنَّ الْإِشَارَةَ أَبْلَغُ فِي التَّعْرِيفِ؛ لِأَنَّهَا تَقْطَعُ شَرِكَةَ الْأَغْيَارِ، وَالْإِضَافَةُ لَا تَقْطَعُ فَاعْتُبِرَتْ الْإِشَارَةُ وَلَغَتْ الْإِضَافَةُ، وَالْمُشَارُ إلَيْهِ قَائِمٌ فَيَحْنَثُ وَلَهُمَا أَنَّ الْيَمِينَ عُقِدَتْ عَلَى عَيْنٍ مُضَافٍ إلَى فُلَانٍ إضَافَةَ مِلْكٍ فَلَا تَبْقَى الْيَمِينُ بَعْدَ زَوَالِ الْمِلْكِ كَمَا إذَا لَمْ يُشِرْ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَعْيَانَ لَا يُقْصَدُ هِجْرَانُهَا لِذَوَاتِهَا، بَلْ لِأَذًى مِنْ مِلَاكهَا، وَالْيَمِينُ تَتَقَيَّدُ بِمَقْصُودِ الْحَالِفِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ مَا دَامَ لِفُلَانٍ نَظَرًا إلَى مَقْصُودِهِ انْتَهَى فَإِذَا عَرَفْت هَذَا فَاعْلَمْ أَنَّ خِلَافَ مُحَمَّدٍ لَيْسَ فِي الْعَبْدِ، وَالدَّارِ فَقَطْ، بَلْ فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ الطَّعَامِ، وَالثَّوْبِ وَغَيْرِهِمَا وَتَخْصِيصُهُ بِالْعَبْدِ، وَالدَّارِ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ، وَالصَّوَابُ تَرْكُهُ تَتَبَّعْ (وَفِي الْمُتَجَدِّدِ) مِنْ الْأَشْيَاءِ الْمَذْكُورَةِ بِأَنْ اشْتَرَى فُلَانٌ طَعَامًا آخَرَ أَوْ دَارًا أَوْ ثَوْبًا أَوْ دَابَّةً أُخْرَى أَوْ عَبْدًا آخَرَ فَفَعَلَ الْحَالِفُ وَاحِدًا مِنْ هَذِهِ الْأَفْعَالِ (لَا يَحْنَثُ اتِّفَاقًا) لِوُقُوعِ الْيَمِينِ عَلَى الْمُشَارِ إلَيْهِ.
(وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ) الْحَالِفُ أَيْ أَضَافَ إلَى فُلَانٍ وَلَمْ يُعَيِّنْ الطَّعَامَ، وَالدَّارَ، وَالثَّوْبَ، وَالدَّابَّةَ، وَالْعَبْدَ، بَلْ أَطْلَقَهُ بِأَنْ قَالَ طَعَامُ زَيْدٍ مَثَلًا (لَا يَحْنَثُ) لَوْ فَعَلَ وَاحِدًا مِنْ هَذِهِ الْأَفْعَالِ الْمَذْكُورَةِ (بَعْدَ الزَّوَالِ) أَيْ بَعْدَ زَوَالِ الْإِضَافَةِ؛ لِأَنَّهُ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى فِعْلٍ وَاقِعٍ فِي مَحَلٍّ مُضَافٍ إلَى فُلَانٍ وَلَمْ يُوجَدْ فَلَا يَحْنَثُ (وَيَحْنَثُ بِالْمُتَجَدِّدِ) أَيْ بِالْفِعْلِ فِي الْمُتَجَدِّدِ لِوُجُودِ الشَّرْطِ، وَهُوَ النِّسْبَةُ، وَالْإِضَافَةُ إلَى فُلَانٍ وَعَدَمُ الْإِشَارَةِ.
وَفِي الْكَافِي وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ فِي الْمُتَجَدِّدِ مِلْكًا فِي الدَّارِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَا يُسْتَحْدَثُ فِيهَا عَادَةً فَهُوَ آخِرُ مَا يُبَاعُ وَأَوَّلُ مَا يُشْتَرَى فَتَقَيَّدَتْ الْيَمِينُ الْمُضَافَةُ إلَيْهَا بِالْقَائِمَةِ فِي مِلْكِهِ وَقْتَ الْحَلِفِ وَعَنْهُ فِي رِوَايَةٍ تَتَقَيَّدُ الْيَمِينُ فِي الْجَمِيعِ بِالْقَائِمِ فِي مِلْكِهِ وَقْتَ الْحَلِفِ.
(وَفِي) حَلِفِهِ (لَا يُكَلِّمُ امْرَأَتَهُ أَوْ صَدِيقَهُ بَحْثٌ فِي الْمُعَيَّنِ) بِأَنْ قَالَ لَا يُكَلِّمُ امْرَأَتَهُ هَذِهِ أَوْ صَدِيقَهُ هَذَا يَحْنَثُ فِي الْمُعَيَّنِ (بَعْدَ الْإِبَانَةِ) لِلزَّوْجَةِ (وَالْمُعَادَاةُ) لِلصَّدِيقِ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ الْحُرَّ يُهْجَرُ لِذَاتِهِ وَلَمْ يَظْهَرْ أَنَّ الدَّاعِيَ مَعْنًى فِي الْمُضَافِ إلَيْهِ فَلَغَا وَصْفُ الْإِضَافَةِ وَتَعَلَّقَتْ الْيَمِينُ بِالذَّاتِ (وَفِي غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ بِأَنْ قَالَ لَا يُكَلِّمُ امْرَأَةَ فُلَانٍ أَوْ صَدِيقَ فُلَانٍ (لَا) يَحْنَثُ لِأَنَّ مُجَرَّدَ هِجْرَانِ الْحُرِّ لِغَيْرِهِ مُحْتَمَلٌ وَغَيْرُ الْإِشَارَةِ إلَيْهِ، وَالتَّسْمِيَةِ بِاسْمِهِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فَلَا يَحْنَثُ بَعْدَ زَوَالِ الْإِضَافَةِ بِالشَّكِّ (إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ مُحَمَّدٍ)؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هِجْرَانُهُ، وَالْإِضَافَةُ لِلتَّعْرِيفِ فَصَارَ كَالْمُشَارِ إلَيْهِ فَيَحْنَثُ عِنْدَهُ (وَيَحْنَثُ بِالْمُتَجَدِّدِ) أَيْ بِالْفِعْلِ فِي الْمُتَجَدِّدِ.
وَفِي الِاخْتِيَارِ وَغَيْرِهِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ امْرَأَةٌ وَلَا صَدِيقٌ فَاسْتُحْدِثَ، ثُمَّ كَلَّمَهُ حَنِثَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ هَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ وَأَمَّا إذْ نَوَى فَعَلَى مَا نَوَى؛ لِأَنَّهُ نَوَى مُحْتَمَلَ كَلَامِهِ.
(وَفِي) حَلِفِهِ (لَا يُكَلِّمُ صَاحِبَ هَذَا الطَّيْلَسَانِ فَبَاعَهُ) أَيْ الطَّيْلَسَانَ (فَكَلَّمَهُ حَنِثَ)؛ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ لِذَاتِهِ لَا لِلطَّيْلَسَانِ فَكَانَتْ الْإِضَافَةُ لِلتَّعْرِيفِ فَتَعَلَّقَتْ الْيَمِينُ بِالْمُعَرَّفِ وَلِهَذَا لَوْ كَلَّمَ الْمُشْتَرِيَ لَا يَحْنَثُ.
حَلَفَ (لَا أُكَلِّمُهُ حِينًا أَوْ زَمَانًا) مُنَكِّرًا (أَوْ الْحِينَ أَوْ الزَّمَانَ) مُعَرَّفَيْنِ بِاللَّامِ (وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَهُوَ) يَقَعُ (عَلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ) لِمَجِيءِ الْحِينِ لَهُ وَلِسَاعَةٍ وَلِأَرْبَعِينَ سَنَةً فَحُمِلَ عَلَى الْوَسَطِ، وَهُوَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ سَاعَةٌ وَعِنْدَ مَالِكٍ سَنَةٌ (وَمَعَهَا) أَيْ مَعَ النِّيَّةِ (مَا نَوَى) مِنْ الزَّمَانِ الْيَسِيرِ، وَالْمَدِيدِ، وَالْوَسَطِ؛ لِأَنَّهُ حَقِيقَةُ كَلَامِهِ.
(وَإِنْ قَالَ) لَا أُكَلِّمُهُ (الدَّهْرَ أَوْ الْأَبَدَ) مُعَرَّفَيْنِ بِاللَّامِ (فَهُوَ عَلَى الْعُمُرِ) يَعْنِي يُرَادُ بِهِ مَا دَامَ حَيًّا بِالْإِجْمَاعِ (وَلَوْ قَالَ دَهْرًا) مُنَكِّرًا (فَقَدْ تَوَقَّفَ الْإِمَامُ وَعِنْدَهُمَا هُوَ كَالزَّمَانِ) وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ، وَهَذَا الِاخْتِلَافُ فِي الْمُنَكَّرِ عَلَى الصَّحِيحِ وَاعْلَمْ أَنَّ مَا تَوَقَّفَ فِيهِ الْإِمَامُ أَرْبَعُ مَسَائِلَ، الدَّهْرُ وَالْخُنْثَى الْمُشْكِلُ وَوَقْتُ الْخِتَانِ وَمَحَلُّ أَطْفَالِ الْمُشْرِكِينَ فِي الْآخِرَةِ.
وَفِي الْبَحْرِ، وَقَدْ تَوَقَّفَ الْإِمَامُ فِي أَرْبَعَ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً وَفِي هَذَا التَّوَقُّفِ تَصْرِيحٌ بِكَمَالِ عِلْمِهِ وَوَرَعِهِ وَفِيهِ تَنْبِيهٌ لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ لَا يَسْتَنْكِفَ مِنْ التَّوَقُّفِ فِيمَا لَا وُقُوفَ لَهُ عَلَيْهِ إذْ الْمُجَازَفَةُ افْتِرَاءٌ عَلَى اللَّهِ بِتَحْرِيمِ الْحَلَالِ وَضِدِّهِ كَمَا فِي الْحَقَائِقِ.
(وَلَوْ قَالَ) لَا أُكَلِّمُهُ (أَيَّامًا أَوْ شُهُورًا أَوْ سِنِينَ فَعَلَى ثَلَاثَةٍ) مِنْ كُلِّ صِنْفٍ بِالْإِجْمَاعِ، وَهُوَ رِوَايَةُ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّهَا أَقَلُّ الْجَمْعِ وَعَنْ الْإِمَامِ فَعَلَى عَشْرَةٍ.
وَفِي التَّنْوِيرِ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ عَبِيدَ فُلَانٍ أَوْ لَا يَرْكَبُ دَوَابَّهُ أَوْ لَا يَلْبَسُ ثِيَابَهُ فَفَعَلَ بِثَلَاثَةٍ مِنْهَا حَنِثَ إنْ كَانَ لَهُ أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَإِلَّا لَا وَإِنْ كَانَتْ يَمِينُهُ عَلَى زَوْجَاتِهِ أَوْ أَصْدِقَائِهِ أَوْ إخْوَتِهِ لَا يَحْنَثُ مَا لَمْ يُكَلِّمْ الْكُلَّ.
(وَإِنْ عَرَّفَ) أَيْ قَالَ لَا أُكَلِّمُهُ الْأَيَّامَ أَوْ الشُّهُورَ أَوْ السِّنِينَ (فَعَلَى عَشْرَةٍ كَأَيَّامٍ كَثِيرَةٍ)؛ لِأَنَّهُ جَمْعٌ مُعَرَّفٌ فَيَنْصَرِفُ إلَى أَقْصَى مَا يُذْكَرُ مِنْ الْجَمْعِ، وَهُوَ الْعَشَرَةُ عِنْدَ الْإِمَامِ هُوَ الصَّحِيحُ (وَقَالَا) يَقَعُ (عَلَى جُمُعَةٍ) أَيْ عَلَى سَبْعَةٍ (فِي الْأَيَّامِ وَسَنَةٍ فِي الشُّهُورِ، وَالْعُمُرِ فِي السِّنِينَ) وَقِيلَ لَوْ كَانَتْ الْيَمِينُ بِالْفَارِسِيَّةِ فَالْأَيَّامُ سَبْعَةٌ بِالِاتِّفَاقِ وَرَأْسُ الشَّهْرِ وَغُرَّةُ الشَّهْرِ اللَّيْلَةُ الْأُولَى مَعَ الْيَوْمِ وَسَلْخُ الشَّهْرِ الْيَوْمُ التَّاسِعُ، وَالْعِشْرُونَ وَأَوَّلُ الشَّهْرِ مِنْ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ إلَى السَّادِسِ عَشَرَ وَآخِرُ الشَّهْرِ مِنْهُ إلَى الْآخِر إلَّا إذَا كَانَ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ فَإِنَّ أَوَّلَهُ إلَى وَقْتِ الزَّوَالِ مِنْ الْخَامِسِ عَشَرَ وَمَا بَعْدَهُ آخِرُ الشَّهْرِ وَأَوَّلُ الْيَوْمِ إلَى مَا قَبْلَ الزَّوَالِ وَيُحَكَّمُ الْعُرْفُ فِي فُصُولِ السَّنَةِ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ.